الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الحرية و المسؤلية







مقدمة: يجب بالبداية فهم أن الحرية التي نقصد تناولها هنا هي تلك التي تتعلق بالمسؤولية. , إذا كانت المسؤولية تعني الحال التي أكون فيها أتلقى أسئلة قادر أنا الإجابة عنها. لذا يتكون ذلك الموقف من طرفين أحدهما يسأل و الثاني يتلقى السؤال: يكون مسؤولا، بضمان الجواب أما تلك السلطة التي تستوقفه، و منه تحميله تبعات الأفعال التي صدرت عنه بحرية. و هذه الحرية تعني حرية الاختيار بين الفعل          و الترك. و السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في العلاقة بين كل من الحرية و المسؤولية، من يلزم عن الآخر؟ هل الإنسان حر لأنه مسؤول، أم أنه مسؤول لأنه حر؟ 

رد المسؤولية إلى الحرية: 
مختصر الموقف أن شرعية المسؤولية لازمة عن حقيقة واضحة جلية هي الحرية التي تعني القدرة على الفعل و عدم الفعل عن وعي      و إدراك لكل الدوافع و البواعث و من دون إكراه. 
المتهم أمام المحكمة يعتبر مسؤولا عن أفعاله لأنه يستوفي شروط المسؤولية التي هي الوعي و الإرادة الذان يعبران عن الفعل الحر. 
إن الحرية هي الأصل و الحق لذا فهي تبرر المسؤولية: 
نظريات إثبات حرية الاختيار و أصالتها: 
رأي أفلاطون: إن الروح بكونها من عالم المثل تكون قد اختارت كل أفعالها حينما كانت واعية حرة و أنها اختارت كل أفعالها، إلا أنها لم تعد تتذكر بسبب شربها من وادي النسيان. « أسطورة الجندي « إر ». بدليل أن أول من يحمل الجاني المسؤولية على منطلق كونه حرا هي النفس ذاتها حين تأنيب الضمير و عند الشعور بالندم. حينئذ يعترف الإنسان أمام ضميره أو نفسه و يحمله المسؤولية.    
أما المعتزلة فهم أيضا يرجعون المسؤولية إلى الحرية على خلفية التكليف و الجزاء الشرعيين، بما يشبه قليلا ما ذهب فيه أفلاطون، قائلين أن الإنسان يحس من ذاته وقوع الفعل بحسب الدوافع و الصوارف، فإذا شاء الحركة أو السكون فعل. و ديكارت من جهته يرجع الحرية إلى العقل. و الفيلسوف الألماني « كانط » يرى أن الحرية من حيث هي ضرورة وجب الانطلاق منها و إلا استحالت استقامة الأعمال و استحال الجزاء و تعم الفوضى. شأن الحرية شأن كل معطيات العقل النظري فهي تتصف كلها بالضرورة « la nécessité« . و المفكر و الفيلسوف الفرنسي « H. Bergson » « برقسون » يرى أن الإنسان يتقاسمه عالمان أحدهما علم الحتمية و عالم المادة، و عالم النفس عالم الحرية الديمومة التي لا نجد تكرارا للارتباط بين العلل و المعلولات. فهي ليست قابلة للتعليل و التحليل. 
و الوجودية تربط الحرية بماهية الإنسان. لسبب أن كونه محصورا بين الماضي الذي لم يعد موجودا و متجها نحو المستقبل المجهول حكم عليه بالجوهر على الاختيار بين الممكنات التي يتصورها من مقترحات الخبرة الماضية لعلها تفلح في مواجهة المستقبل. 
* لــــكن، هذه النظريات كلها انطلقت من التسليم بحرية الإنسان على شهادة الإرادة أو الضرورة إلا أنهما ليسا كافيين في إثبات حرية الاختيار. فالإرادة هي بنت الخبرة (العادة) و الوعي لا يطال أسباب كل ما يصدر عنا. أما التفسير بالضرورة فهو افتراض باطل لأنه بناء على تأويل ما حصل بشكل من الأشكال من أفعالنا. حين يقول القاضي للمتهم  » كان بوسعك أن تفعل و لا تفعل، فاخترت لأنك كنت حرا… » و هذا تبرير لحرية المتهم بتأويل أفعال ماضية… لذا يسمي « نيتشه » حرية الاختيار بميتافيزيقا الجلاد. و ما كان يتحدث عنه « برقسون » كحرية داخلية لا تنجر عنها مسؤولية اجتماعية. أما حجة الوجوديين فهي ترجع كل أفعال الإنسان إلى الحرية… 

نظريات نفي حرية الاختيار: 
إن الحتميات بمختلف أنواعها (الميتافيزيقية، الطبيعية،الاجتماعية، و النفسية) هي حقائق تحاصر الفعل الإنساني، فالحرية وهم و المسؤولية تعود إلى الضرورة و ليس إلى الحرية. و يرى الجبريون إن الفعل ليس من صفات العباد، و أنه لا فاعل إلا الله. و دعاة الحتمية الطبيعية (الفيزيائية) ينطلقون أن أفعال الإنسان تنجر عن الخصائص الفيزيائية و الكيميائية و الميكانيكية. و أن الاختيار الحر ليس إلا ميلا إلى حتميات دون غيرها. 
لكن نفي الحرية عن الإنسان هو تسويته مع عالم الطبيعة و الحيوان و منه تسقط كل أشكال الجزاء و القيم. كما أن التحجج بالحتميات لا يعني الخضوع و الاستسلام لها و تكون أنفسنا مجالا لسريانها. إن الإنسان يتمتع بالوعي و الإرادة الذان يقدران على التقريب بين الحتميات التي لا يمكن تجاهلها و حرية الاختيار كضرورة لا بد منها. 
و منه تحول الجدل، من البحث في حقيقة الحرية إلى مشكلة التحرر. و التحرر كعمل، لا يتجاهل الحتميات و لا يستسلم لها، و إنما يتعامل معها. 
فإذا كانت الحرية شرطا للمسؤولية، و نحن نعلم أن الحرية لم يوصل إلى التحقق منها، فكيف يمكن بناء المسؤولية على ما لم يتأكد منه؟ 

كيف يمكن رد حقيقة المشكلة إلى المسؤولية لا إلى الحرية؟ 
هل يعقل بناء المسؤولية على الحرية؟ 
في حالة ثبوت الشرط: 
حين ثبوت الحرية، يكون الإنسان مسؤولا لأنه حر، و منه يقتضي الجزاء. أما في الحالة الثانية، يكون التكليف و المسؤولية بمقتضى الواجب و القانون من دون اعتبار للحرية، فتسقط المسؤولية على كل الناس من دون تمييز. على خلفية أن الإنسان في كل الأحوال حر لأنه مسؤول. 
أليس من الشرعي طرح قضية المسؤولية قبل قضية الحرية
يرى فلاسفة الأخلاق و رجال الدين أن المسؤولية أسيق من الحرية و أنها أولى. إن ارتباط المسؤولية بالتكليف و خاصة العقاب جعلها أولى بالطرح و الاهتمام.. و لقد كانت جهود مكافحة الجريمة تقضي بالمسؤولية في تحقيق العدالة.   
ألا يتمثل مصدر المشكلة و حلها في عظمة الإنسان؟ 
من حيث كونه حضين المسؤولية و راعيها: 
يعتبر الإنسان مسؤولا منذ الطفولة الأولى و يحمل نتائج أفعاله بغض النظر عن أدنى اعتبار للحرية. لذا تنصب المسؤولية على الإنسان لكونه إنسان ليس أكثر و لا أقل. و يعتبر تدخل الضمير في تصحيح سلوكاتنا و دفع الضرر على شهادة على تأصل المسؤولية فينا 
من حيث عظمته في ميزاني العلية العلمية و العلية الفلسفية: 
إن الإنسان يميز بين ما يعتبر فيه مسؤولا باسم العلية الأخلاقية و بين ما ليس فيه مسؤولا مما يحصل بسبب العلية العلمية التي تسري في قوانين الطبيعة التي و إن كانت عنصرا في السلسلة التي تكون غل الإنسان، فهذا الإنسان نفسه لا يتعرى أو لا يجب قبول تنصله من المسؤولية. إن المسؤولية لا تسقط عن الإنسان بتوفر الدوافع الأسباب الموضوعية. 
من حيث هو مستخلف في الأرض: 
و كون الإنسان خليفة الله في الأرض يترتب عن الاستخلاف وجود شروط و التزامات هي الضوابط التي وضعها صاحب الملك  ـ الله ـ فهو يعتبر مسؤولا بحكم هذه الشروط، فيجزى يوم القيامة طبقا لها. 

الخاتمة: 
الحري و المسؤولية من القضايا المرتبطة بجوهر الإنسان و لا يسع لأي كان يحترم و يقدس و بشرف الإنسان برفع المسؤولية عنه. لذا يقول هيقل أن تحميل المسؤولية للإنسان اعتراف له بخاصية تشرفه عن بقية الكائنات و هي العقل. ألا يعتبر رفع المسؤولية عنا في ما صدر منا تحقيرا لنا. أن نعتبر غير مسؤولين ينقص من جدارتنا بصفة الكائن العاقل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق