الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الحرية والمسؤولية










الحرية والمسؤولية
       عندما ندخل لقسم ما ونجد نافذة محطمة فإننا نتجه باهتمامنا إلى البحث عن الفاعل ، والشيء نفسه في جميع الأحداث مهما كان نوعها ، لكن لماذا هذا الاهتمام ؟ مما لا شك فيه أن الهدف هو تحميل الفاعل المسؤولية ، الشيء الذي يثبت أن وجود المسؤولية يستلزم فعل نضعه على عاتق شخص ما لأنه تسبب في حدوثه ، وكان في مقدوره عدم القيام به ، وقد يتسع مجال المسؤولية ليشمل كل من هو تحت مسؤوليته ، لكن هل مجرد قيام الفرد بالفعل تترتب عنه المسؤولية ؟ ، إننا لسنا مسؤولين إلاّ عن الأفعال التي نقوم بها ، أي الأفعال التي نعدها أفعالنا بحق ونحن على يقين بأننا قمنا بها عن قناعة وحرية ، هذه العملية طرحت مسألة أيهما مصدرا للآخر الحرية أم المسؤولية ؟. وهل المشكلة متعلقة الحرية أم المسؤولية ؟ .
أولا : المشكلة مرتبطة بالحرية باعتبارها شرط لا في المشروط " المسؤولية "
      الحديث عن المسؤولية لا يستقيم إلاّ بوجود الحرية ، لكن السؤال المطروح هل حقيقة الإنسان حر أم مقيد ؟
للإجابة على هذا التساؤول نستعرض الآراء التي تتناول هذه المسألة .
01 – اثبات الحرية :
    الحرية مبدأ مطلق لا يفارق الإنسان ، وهو أزلي يتخطى مجال الدوافع الموضوعية والذاتية على حد سواء ويتمثل تارة في قرار الإنسان قبل نزوله إلى الأرض ، وتارة في شعوره بالحرية أو كونه صاحب إرادة وقرار ، وتارة في أعماق النفس وطبيعة الذات الوجودية .
الحرية الانسانية مطلقة لأن الله بريء من أفعال البشر التي اختاروها بمحض إرادتهم ، وهذا ما أكد عليه أفلاطون من خلال أسطورته المرتبطة بالجندي " آر " وهذا ملخصها :" إن آر الجندي الذي استشهد في ساحة الشرف يعود إلى الحياة من جديد بصورة لا تخلو من المعجزات ، فيروي ويصف لأصدقائه الأشياء التي تمكن من رؤيتها في الجحيم حيث أن الأموات يطالبون بأن يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم ، وبعد ذلك يشربون من نهر النسيان " ليثه " léthé ثم يعودون إلى الأرض ، وفي الأرض يكونون قد نسو بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون في اتهام القضاء والقدر ." وهذا دليل على أن الفرد هو الذي يتحمل المسؤولية وليس الله لأن هذا الأخير بعيدا عن أفعال العباد الإرادية لأنه بريء . وفي هذا الاتجاه يؤكد كانط أن الحرية علية معقولة متعالية ومفارقة للزمن وليس بدعة أن يكون الإنسان حرا و مسؤولا ما دام اختياره الأصلي إنما يتحقق في عالم مطلق معقول ، لا يخضع بأي حال لقيود الزمن ، وإن صاحب السوء هو الذي قد يكون اختار بكل حرية تصرفه منذ الأزل بقطع النظر عن الزمن أو الطباع ، فالشرور الفاشية في العالم إنما هي نتيجة حرية الاختيار 
ويذهب المعتزلة بزعامة واصل بن عطاء  إلى أن شعور المرء أو إرادته هي العلة الأولى لجميع أفعاله  مستدلين على ذلك بحجج عقلية وأخرى نقلية ، فالدليل العقلي يتمثل في أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي بالقدرة الإقدام أو الإحجام على فعل أمر ، ومما يؤكد هذا الأمر أن الإنسان يفرق بين الأفعال التي يقوم بها كأن يطالع أو يكتب أو بين الأفعال التي تجري عليه كرها كإرغامه على القيام بعمل ما  تقول المعتزلة :" إن الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل على حسب الواعي والصوارف فإذا أراد الحركة تحرك ، وإذا أراد السكون سكن ."، ولهذا فإن التكليف مرتبط بالوعي ، ولما وجد الوعي وجد التكليف وعلى هذا فإنه سيحاسب في الآخرة على الطاعة من جهة وعلى المعصية من جهة أخرى ، وهذا برهانا على كمال عدل الله . واعتمدوا كذلك في إثبات دعواهم على كثير من الآيات التي تنسب للإنسان الحرية كقوله في سورة الكهف آية 29 ": فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ." وقوله تعال في سورة الأعراف آية 23 :" ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .". وفي السياق نفسه نجد الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت حينما أكد على أن الحرية تدرك بطريقة مباشرة دون الاستدلال  أو البرهان عليها يقول :" إن حرية إرادتنا يمكن أن نتعرف عليها بدون أدلة ، وذلك بالتجربة وحدها التي لدينا عنها ." وهنا نجد ديكارت يشبه الحرية بالأمور البديهية التي تعود عليها الفرد والتي يتقبلها مباشرة . 
هذا ونجد برغسون يرى أن الحرية هي عين ديمومة الذات ، والفعل الحر يصدر في الواقع عن النفس بأجمعها وليس عن قوة معينة تضغط عليها ، أو عن دافع بالذات يتغلب على غيره ، والديمومة عبارة عن تغبر مستمر بحيث لا يمكن أن تتكرر حالتان متشابهتان تمام التشابه ، والعلة الباطنية العميقة تنتج معلولها مرة واحدة ، ولكنها لا تنتجه بعد ذلك أبدا لهذا فالحرية تدخل ضمن معطيات الشعور المباشر لا معطيات الحتمية العلمية التي يكشف عنها قانون العلية ، فالحرية ليست موضوع للتفكير أو التحليل يقول برغسون :" إن الفعل الحر ليس فعلا ناتجا عن التروي والتبصر ، وإنه ذلك الفعل الذي يتفجر من أعماق النفس ." هذا التصور البرغسوني يؤكد على أن الإنسان صانع أفعاله بحريته المطلقة دون الخضوع للتأثير الآلي المرتبط بمبدأ الحتمية .
ما يثبت أن الفرد حر حرية مطلقة هو أنه هو الذي يصنع هويته بنفسه ما دام لا يخضع لأي قوة أخرى ، هذا ما حاول أن يؤكد عليه جون بول سارت بقوله :" إن الإنسان لا يوجد أولا ليكون بعد ذلك حرا ، وإنما ليس ثمة فرق بين وجود الإنسان ووجوده حرا ." وهذا يثبت أن وجود الإنسان سابق لماهيته أي أنه كائن أولا ثم يصير بعد ذلك هذا أو ذاك لأنه مضطر للاختيار والمسؤولية  .
   وعليه نجد هذه التصورات تثبت الحرية بالنسبة للإنسان ،لذا يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة الناجمة عنها .
لكن القول بالحرية المطلقة تصور مبالغ فيه كثيرا ، كونه تجاوز قانون الكون لهذا أصبحت هذه التصورات السابقة مجرد وهم ، لأن الإرادة ليست تلك القوة السحرية التي تقول للشيء كن فيكون ،وتنفلت من كل مؤثر خارجي كان أو داخليا لأن العوامل الإجتماعية والرغبات اللاشعورية والتقلبات الجوية ، والمؤثرات البيولوجية لها تأثير على الإنسان لهذا فإن شعورنا بأننا أحرار مصدر انخداع وغرور لأن الشعور ظاهرة ذاتية متغيرة من شخص لآخر ، لهذا فلا يمكن أن نبني ما هو مطلق على ما هو متغير ، لذا فحرية برغسون هي حرية الفرد بمعزل عن الآخرين ، أما عن تصور سارتر فهو تصور متشائم ينفي القدرة الإلهية ، كما أنه بدلا من إثبات الحرية نفها بصورة غير مباشرة ،أما المعتزلة فجعلت من دور الدين ثانوي ما دام الفرد هو الذي يقوم بالفعل ، وبالتالي لا وجود للقضاء والقدر .
نفي الحرية :
 ينفي بعض الفلاسفة الحرية عن الإنسان باسم الجبرية تارة والحتمية تارة أخرى .
أنصار الجبرية :
  الحرية غير موجودة ما دامت أفعال البشر مقدرة عليهم من عند الله ، لهذا فإن الإنسان يخضع مثله مثل الكائنات الأخرى لضرورة متعالية هي القدرة الإلهية ، هذا ما حاول أن يؤكد عليه الجهمية بزعامة جهم بن صفوان ، فالله عز وجل خلق الإنسان وحدد أفعاله وسلوكاته بقدرته الكلية المطلقة ، ولهذا فالإنسان مجبر على أفعاله ولا إرادة له وعلى هذا الأساس تكون إرادتنا تابعة لنظام الكون ،فلا حول ولا قوة له لتجاوزه ، واختياره ما هو إلاّ وهم ، والأفعال تنسب للإنسان على سبيل المجاز فنقول تحرك الفرد ، وأثمرت الشجرة ،واستندوا في إثبات دعواهم على ما ورد في القرآن الكريم من الآيات التي يفيد ظاهرها التسخير ، من ذلك قوله تعال في سورة التكوير الآية 29 :" وما تشاءون إلا ّ أن يشاء الله رب العالمين."
نفي الحرية بإسم الحتمية :
    الحتمية مبدأ عقلي علمي يقوم أساس على القول بأنه كلما توفرت نفس الشروط أدت إلى نفس النتائج ، وانطلاقا من هذا ذهب البعض إلى نفي الحرية باسم هذا المبدأ الذي يسري على جميع الظواهر سواء الطبيعية أو الإنسانية .وأهم هذه الحتميات يمكن حصره فيما يلي :
 - الحتمية الحيوية " البيولوجية "
يرى أنصارها أن سلوك الإنسان يخضع إلى التغيرات الفيزيائية الكيميائية في الجسم ، ويستندون إلى بعض الحقائق العلمية منها أن كل واحد عند الولادة يكون حاملا لمعطيات وراثية تتعلق بالعتاد الكروموزومي الوراثي كالجنس " ذكر أو أنثى " والخصائص الأساسية للمزاج والتشويهات المختلفة أو الألم الجنيني الذي يحدث نتيجة لما يصيب تطور المضغة خلال الحمل .
الحتمية النفسية :
   الظواهر النفسية ليست سوى مجرد أحداث كونية يمكن تحديدها وتفسيرها والتنبؤ بها إذا عرفنا شروطها ، وأسبابها وعللها القريبة أو البعيدة ، ومعنى هذا أن كل نشاط نفسي متوقف على الحالة التي سبقته سواء كان وجداني كالأهواء والرغبات ، أو إدراك وتذكر مما لا يدع مجالا للحرية ، ونجد هذا الزعم عند المدرسة السلوكية والتحليل النفسي ، فالأولى – المدرسة السلوكية – ترى أن أفعال الإنسان تعود أفعال المنعكس الشرطي التي تظهر في صورة مؤثر واستجابة ، وإذا ربطنا كل مؤثر باستجابة معينة أمكننا أن نتنبأ بالإستجابة ، ولنوضح هذه الفكرة بالمثال التالي : فضروب السلوك التي نواجه بها مؤثرات البيئة ما هي سوى منعكسات شرطية اكتسبت بالتجربة كالغضب يرجع مثلا إلى الشتم او تضييق الحرية .أما مدرسة التحليل النفسي بزعامة فرويد فترجع كل أفعال الإنسان إلى الرغبات المكبوتة في أعماق اللاشعور منذ عهد الطفولة وبالتالي لا فعل للفرد وإنما كل أفعاله تحددها طبعة الرغبات المكبوتة  .
الحتمية الإجتماعية :
   يعتقد بعض علماء الإجتماع  بزعامة دوركايم أن الظواهر الإجتماعية تسير وفق قوانين ثابتة تخضع لمبدأ الحتمية كغيرها من الظواهر الطبيعية ، كعاداتنا وأفكارنا الناتجة عن التربية التي تلقيناها في الوسط الذي نعيش فيه ، والطبقة التي ننتمي إليها ، مما يجعل هذا الوسط يحدد أفعال الفرد يقول دوركايم :" إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم ." وهذا يعني أن الفرد مقيد بما يوجد داخل المجتمع ، وبالتالي فشخصية الفرد هي شخصية الجماعة .
  النقد :
لكن هل يمكن تصور الفرد دون عقل أو تفكير ؟ لهذا فإن هذا التصور مبالغ فيه لأن القول بالجبر فيه ظلم والله لا يتصف بهذه الصفة بل بالعدل ن فكيف نقول بالقضاء والقدر ثم نحاسب الفرد على الفعل في الآخرة ، كما أن القول بالحتمية لا يعني نفي الحرية لأنها قد تكون من أسباب التي تؤدي إلى النتائج ، كما أن نفي الشعور والإقرار باللاشعور جعل الإنسان والحيوان في نفس المرتبة ، إضافة لهذا كله نجد أن شخصية الفرد ليست شخصية الجماعة
     الحرية الإنسانية موجودة لكن ضمن شروط هذا ما حاول أن يجسده ابن رشد حيث أكد أن الله منح العبد الإرادة ليصرف بها أمره ، وقدرة تمكنه من فعل الشيء وضده ، وفي هذا ما يبرر تحمل مسؤوليته ، إلاّ أن هذه القدرة والإرادة ليستا مطلقتين بل هما خاضعتان لأسباب داخلية كالغرائز والانفعالات والدوافع التي خلقها الله في الفرد ، وخارجية تتمثل في البيئة التي نحتك بها ونحتاج إليها وكل هذه الأشياء مقدرة عليه بقضاء الله وقدره ، وبالتالي الله خلق الإنسان وجعل له العقل ليميز به بين الأفعال لهذا سيتحمل نتيجة فعله أمام الله . 
** من خلال تحليل المواقف السابقة نجد هناك تعارض في الآراء بين النافي للحرية والمؤيد لها لكن يمكن صياغة الإشكال التالي والذي يمكننا من صياغة المسألة صياغة أخرى : هل يسعى الإنسان إلى الحرية أم التحرر ؟
أو بعبارة أخرى هل القضية تتعلق بحرية الإنسان أم تتعلق بتحرره ؟
   التحرر مرتبط بالعمل على تجاوز كل الإكراهات والقيود ، فالحرية والحتمية ضدان يمكن أن يصدقا أي الاعتراف بالحتمية والعمل للتحرر من منها . وهنا تعددت التصورات :
   الماركسية ترى أن الحرية الحقيقية تنحصر في حركة تحرر الإنسان من قوانين الطبيعة ومن الطبقية ، فالتحرر من قوانين الطبيعة يتم وفق معرفة قوانينها والسيطرة عليها لتحقيق بعض الأهداف المعينة بطريقة ممنهجة ومرسومة ، فليس شك في أن حرية الإنسان قد تزايدت بتزايد معارفه العلمية ، وقدراته الفنية واختراعاته الآلية ، وفيما يخص التحرر من الطبقية فيتم بوعي الطبقة العاملة لاغترابها الاقتصادي من لدن الرأسماليين ، وإسقاطها لقيام مجتمع طبقي تحيا فيه حياة حرة من كل استغلال ، وهكذا يكون الوعي هو السبيل إلى التحرر سواء أكان ذلك على مستوى الطبيعة أم على مستوى المجتمع يقول إنجلز  :"فالإنسان لم يكن يتميز عن الحيوان فإن سيطرته على نفسه وعلى الطبيعة لم تكن بعد قد تحققت ، وبالتالي فإن حظه لم يكن يزيد عن حظ الحيوان منها ، ولكن من المؤكد أن كل خطوة خطاها في سبيل الحضارة لم تكن سوى مرحلة من مراحل تحرره .".
وعليه فإن الحرية ليست سوى القدرة على التحكم في أنفسنا وفي العالم الخارجي الذي يحيط بنا .وهذا ما أكدت عليه الشخصانية ، فهي لا تعتبر الحرية مسألة ذاتية شعورية بل تعتبرها عملية تحرر مستمر ، وترى أن هناك عدة وجوه لتحرر الشخص الموجود في التاريخ ، والحاضر في الطبيعة ، فمن جهة أولى أن الشخص مدعو للتحرر من طبيعته البشرية ، وذلك بإعلان الرغبات والميول والأهواء وتجاوز أنانيته البيولوجية ، ومن جهة ثانية أنه مدعو للتحرر من كل حياة سهلة رخيصة يهبها له المجتمع مقابل استسلامه لقسره المجتمعي ، ومن جهة ثالثة على الشخص أن يتحرر من الضرورة الطبيعية بالاستقلال عنها يقول رائد هذا الاتجاه إيمانويل موني :" إن الحرية لا تكتسب بمضادات الطبيعة إنما تكتسب بالانتصار عليها وبها ." والواقع أن الحرية الشخصانية هي حريات أو عملية تحرر ماثلة في إسهامات الأشخاص السياسية والاقتصادية ، وفي محاربة الشخص لنزوات طبيعته البشرية .
 النقد :
هذه النظرة حاولت أن تبين لنا أن الإنسان بالعلم والوسيلة يمكن له أن يتحرر من الحتميات التي هو خاضع لها ، إلاّ أن العلم الذي توصل له الفرد لم يمكنه من التحرر تحررا مطلقا ، لأن الفرد كلما تحرر من حتمية إلاّ ويجد نفسه أمام حتمية أخرى ، فبالعلم مثلا تمكن الإنسان من تسخير الطبيعة لخدمته وتلبية حاجياته البيولوجية ، وتحويل المواد من حالة صلبة مثلا إلى حالة سائلة ، لكن كثرة المصانع أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة والتلوث ، وما ثقب طبقة الأوزون إلاّ مبررا على أن تحرر الفرد نسبي وليس مطلقا .
 ** إذن إذا كانت الحرية شرط للمسؤولية فكيف لنا أن نؤسس لها والحرية لم تثبت إثباتا مطلقا ، ورغم ذلك تبقى المسؤولية قائمة ويتحملها الفرد بوصفه إنسان .
ثانيا المسؤولية كمشروط تبرر وجود الحرية كشرط     
  نظرة تجعل من المسؤولية هي المبدأ والمنطلق الذي يجب إثباته وتبريره ، لأنه إذا وجدت المسؤولية ترتب عنها بالضرورة وجود الحرية ، أن الإنسان ما دام مسؤولا فهو حرا ، بمعنى المسؤولية كمشروط تصير تسبق الحرية كشرط . فكيف يمكن تبرير ذلك ؟
تعريف المسؤولية :
لغة : مصدر صناعي من اسم المفعول " مسؤول " المشتق من " سأل" ، وهي تعني أن الفرد مسؤول عن الأفعال التي قام بها في الماضي وخلفت وراءها أثارا .
إصطلاحا : تحمل الشخص ما يترتب عن أفعاله المخالفة للقانون مثل الغش والتزوير ، أي أن المسؤولية من حيث هي تبعة تتألف من ثلاث عناصر : مخالفة وضرر وعلاقة سببية بينهما  .

شرطا المسؤولية :
الوعي : يقصد بالوعي القدرة على التمييز بين ما هو خير وما هو شر في الأفعال ، ومعرفة النتائج الحسنة في التصرفات والأعمال ، ولا يمكن لأي شخص أن يتوفر على هذا الشرط إلاّ إذا بلغ مرحلة النضج العقلي ، باعتباره علامة على اكتمال وظائفه العقلية ، بدليل أن من لم ينضج عقليا لا يميز كثيرا بين الأعمال الصالحة والأعمال الطالحة ولهذا رفعت المسؤولية عن الحيوان لأنه كائن غير عاقل ، وعن الطفل لأنه لم يبلغ سن الرشد ، وعن المجنون لأنه فقد وعيه ، فمن لا يدرك ما يعمل لا يسأل عما جنت يداه ، وهذا ما نص عليه الحديث النبوي الشريف " رفع القلم عن ثلاث : الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يعقل ، والنائم حتى يستيقظ ."
02 – الحرية :
 إن الوعي في حد ذاته لا يكفي لقيام المسؤولية فقد تكون لدى الشخص القدرة على التمييز بين الخير والشر ، ولكن ليس في امكانه أن يحدث الفعل أو يمتنع ، أي غير قادر على الاختيار ، لهذا فالشعور بالمسؤولية مبنيا على الشعور بالحرية ، لذلك لا يكون الشخص مسؤولا إلاّ عن الأفعال الإرادية الحرة النابعة من ذاته العاقلة ، فإذا قام هذا الشخص بفعل تحت تأثير أو إكراه سواء داخليا كالمرض ، أو خارجيا كالوقوع تحت سلطة شخص آخر فإن هذا الشخص لا يعد مسؤولا ، لأن حرية الاختيار منعدمة ، ولا بد من التمييز هنا بين الإكراه والخطأ ن فقد يكون الشخص غير مكره لكنه يخطئ فيفعل ما لا يجب فعله ، وهو بذلك لا يتحمل المسؤولية من الناحية الأخلاقية لأنه فعل غير إرادي ، لكن العدالة على الرغم من ذلك تعاقبه وتحمله مسؤولية فعله ، وهذا حتى يحتاط الناس أكثركما هو الشأن في القتل الغير عمدي .
   النتائج التي تترتب عن الفعل والتي يتحمل الفرد مسؤوليتها تختلف بحسب الضرر ، الشيء الذي أدى إلى تنوع المسؤولية بين الأخلاقية والإجتماعية .
أنواع المسؤولية :
المسؤولية الأخلاقية :
    تتمثل في الشعور الداخلي بالتبعة ، أي فيما يترتب عن مخالفة القانون الأخلاقي ، كشعور التلميذ الذي يغش في الامتحان بأنه قام بفعل لا تأمر به الأخلاق ، أو التاجر الذي لا يفي بالكيل والميزان ، المسؤولية الأخلاقية تقوم أساسا على تأنيب الضمير باعتباره المحكمة الداخلية التي يخضع لها الفرد ، لأن المسؤول والسائل شخص واحد ،ومن هنا كانت المسؤولية الأخلاقية ذاتية ، وكان مدارها النية أو القصد ، وفي هذا السياق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ."
المسؤولية الإجتماعية :
  مسؤولية قانونية ناتجة عن الحياة الجماعية التي يعيشها الفرد ، وأساسها الضرر الذي يلحق بالغير سواء في شخصه أو ممتلكاته أو حياته ، وهي نوعان :
 أ – المسؤولية المدنية :
  تتولد عن المخالفات التي تلحق الضرر بممتلكات الغير بصفة عامة ، ومن ثمة كان تعويض الضرر محور العقوبة التي تفرضها المحكمة على الجاني ، وغالبا ما تكون مالية ، غير أن تبعة المسؤولية المدنية لا تقتصر على الفرد المسؤول ،بل يمكن أن تمتد إلى الأفراد الآخرين الذين هم تحت كفالته ، كالأبناء غير الراشدين والحيوانات ... إلخ .
ب – المسؤولية الجنائية :
تتولد عن الضرر الذي يلحق الغير من جراء خرق النظام العام ، أو الاعتداء على حقوق الآخرين ، ولكنها تختلف عن المدنية في نوعية العقوبة ، لأن الضرر هنا يتعلق بجريمة تهدد حياة الأفراد وممتلكاتهم ، ولهذا أخذت العقوبة شكل القصاص بدلا من التعويض ، فقد تكون الإعدام ، وقد تكون السجن المؤبد أو المؤقت ، وقد تجمع العقوبة بين القصاص والتعويض
  ** الفرق بين المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية لا يعني وجود تربط بينهما وتداخل ، لأن الأخلاقية كثيرا ما تؤثر في الاجتماعية بدليل أن العدالة تميز في أحكامها بين القتل المتعمد والغير متعمد ، لهذا تصبح للمسؤولية الاجتماعية أبعاد أخلاقية والعكس ، وهذا ما طرح مشكلة المسؤولية من زاوية أخرى وهي الجزاء بين النظرة العقلية المؤكدة لتحمل الفرد مسؤوليته ، والتصور الوضعي المؤكد على أن دور العقاب مرتبط بالإصلاح لا الردع  .    


 
                                                      التصور العقلي والديني
   
        يذهب رجال الدين وفلاسفة الأخلاق إلى الإقرار بأن التكليف يسبق الحرية ويتقدمها ، ومن ثمة تبرير وجود المسؤولية كمشروط سابق عن الحرية مهما كان التكليف إلهيا أو تكليف أخلاقيا فنجد المعتزلة كفرقة كلامية بزعامة واصل بن عطاء تقر بأن مبدأ التكليف الإلهي  للعباد يثبت لزوم الحرية ، وإلاّ كان عديم المعنى ولا بطل الوعد والوعيد وما فائدة العقاب الإلهي وإلاّ يصبح الله يتصف بالظلم ، يقول المعتزلة :" إن الإنسان لو لم يكن حرا لكان التكليف سفها ولبطل الوعد والوعيد والثواب والعقاب ، فلا يصح عقلا أن تقول لمن ليس حرا : افعل ولا تفعل ". وفي هذا السياق يستدل المعتزلة بالآية الكريمة :" لا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها ." وبهذا نجد المعتزلة تثبت الحرية على أساس المسؤولية. وفي سياق الإلزام الأخلاقي يصرح كانط أن الواجب يتضمن الحرية لأن القيم الأخلاقية الحقيقية مرتبطة بالأوامر القطعية المجسدة في  " أن تفعل كذا ..... ولا تفعل كذا .... " لهذا فالواجب كإلزام أخلاقي وتكليف هو الذي يسمح لنا بتصور امتلاك الإنسان للحرية ، وهنا يقول كانط :" إذا كان يجب عليك فأنت تستطيع ".
إذن الواجب الأخلاقي يسبق الحرية ويثبت وجودها ، وهذا ما دفع بالعديد من الفلاسفة العقليين إلى التأكيد على أن وجود المسؤولية يثبت الحرية بالنسبة للفرد ، ذلك أن هذا الأخير يتمتع بحرية كاملة في تصرفاته وأفعاله ، إذ بإمكانه أن يحدث الفعل من تلقاء نفسه أو يمتنع ، وبالتالي يستطيع أن يلتزم بقواعد القانون ويستطيع ايضا أن يتجاوزها ، وعندئذ يحمله القانون المسؤولية على الفعل الذي اختاره بإرادته ، فالعقوبة حسب التصور الكلاسيكي تبرز أخلاقيا لأنها مرتبطة أشد ارتباط بالقانون الأخلاقي يقول لايبنيتز :" هناك نوع من العدالة ليس له قطعا غرض التعديل ولا غرض المثل ولا حتى غرض إصلاح الشرور ن هذه العدالة لم تقم إلاّ على التوافق الذي يستلزم ضربا من الرضا في التفكير عن فعل سيء ."
   ونفس الفكرة يعبر عنها مالبرانش في كتابه مقالة في الأخلاق بقوله : إن جزاء الاستحقاق وعقوبة الخطيئة يقتضيهما النظام الضروري للعدل ، وهو القانون الذي لا يجوز انتهاكه ونقضه لا من طرف العقول ولا حتى من طرف الإله نفسه " إن الذي يريد من الله ألاّ يعاقب الجور أو إدمان الخمر لا يحب الله ". وعليه يصبح دور العقاب حسب هذه النظرية يكمن في تأديب المجرم وردعه وحمله على معانات الإثم الذي اقترفه ، فيحس بخطيئته وهذا ما يجعله يفكر في إصلاح أمره لكي يعوض سلوكه المنحرف .
  نقد :
  هذه النظرية جعلت الحرية مطلقة لهذا يتحمل الفرد مسؤولية أفعاله ، لكن بالنظر إلى الحرية في أرض الواقع نجدها نسبية ، وبالتالي لا يمكن تأسيس شيء على أساس متغير .
                        النظرية الوضعية :

    إن التطور الذي عرفته الدراسات الحديثة حول فكرة العقاب والاهتمام بها من طرف علماء النفس والاجتماع له أهمية في حياة الفرد ، فقد صار ينظر إلى العقوبة على أنها وسيلة لإصلاح المجرم والوقاية من الجريمة ، والتخفيف من حدتها ، ومن أبرز رواد هذه النظرية مؤسس علم الجريمة العالم الإيطالي سيزار لومبروزو وانريكو فيري وغيرهم عندما اعتبروا أن أسباب الجريمة موضوعية خارجة عن نطاق حرية الفرد ، لهذا كانت دراسة العقاب دراسة وضعية فلومبروزو اعتبر أن للمجرمين استعدادات فطرية ووراثية للجريمة وان تنوع الجرائم في المجتمع يعود إلى تنوع ميول هؤلاء الأفراد ، وأطلق عليها لومبروزو النقائص البيولوجية وهي في الغالب وراثية يزود بها المجرم منذ الولادة وعندما ستطيع العلم اكتشاف الأسباب بدقة يمكن للإنسان عندئذ ان يعالج السلوكات الإجرامية المرضية ويتنبأ بها، ومن وقسم لومبروزو المجرمين إلى أصناف أهمهم : المجرمين بالفطرة ، والمجرمين المجانين ، والمجرمين العادة ، والمجرمين بالصدفة ..
 وإلى جانب هذه الفئة من المجرمين بالوراثة توجد فئة اكتسبت الجريمة عن طريق تأثير الظروف الإجتماعية وقساوتها أو فساد المجتمع ، هذا ما ذهب إليه فيري حين بين أن الظروف السيئة كالحرمان والفقر المدقع وغيرها تلعب دورا كبيرا في ظهور الجريمة وانتشارها في المجتمع ، فمجاورة الغنى الفاحش مثلا للفقر المدقع يدفع الفرد للسرقة .
ومن بين المدارس التي أكدة على عدم وجود الحرية ، وبالتالي لا يتحمل الفرد المسؤولية الكاملة مدرسة التحليل النفسي بزعامة الطبيب النمساوي سيغموند فرويد ، هذه المدرسة فسرت السلوكات الإجرامية بردها إلى قوى نفسية لاشعورية تتمثل في بعض الدوافع والميول ن والذكريات المكبوتة في لا شعور الإنسان منذ أيام الطفولة ، ويمكن تفسير الخروج عن القانون ومختلف أشكال التمرد والثورة كثورة ضد الأب الذي يمثل السلطة عند الطفل ، أي أنه شكل من أشكال إرضاء الغريزة العدوانية ورفض سلطة الأب القاهرة التي تمنع الطفل من إشباع رغباته كلها.
لهذا إذا أردنا أن نحمي المجتمع من تكرار الجريمة ينبغي الاهتمام بالمجرم من أجل الكشف عن الميل الذي كان وراء جريمته وتبعا لذلك يحدد الجزاء الملائم والذي يكون وسيلة علاجية للمجرم  
النقد : لا يمكن نفي دور مختلف الدوافع في رفع المسؤولية عن الفرد لأنه غير حر ، لكن التطور العلمي لم يكشف لحد الآن عن الترابط الموجود بين الحتمية والجريمة ، الشيء الذي من شأنه أن يبقي على المسؤولية وبالتالي الحرية .                                
  

                                                             05
المسؤولية وعظمة الإنسان :

01 – عظمة الإنسان لأنه كائن القيم وحامل المسؤولية :
        إن عظمة الإنسان تتجلى في أن الله تعالى خلقه وسواه ، وعدله ونفخ فيه من روحه الشريفة ، واسجد له الملائكة تكريما لشأنه ، وعظمة الإنسان تكمن في أنه أوتيا العقل وملكة الوعي ، بها يميز ويدرك وبها يحكم ، هذه الصفات تعطي لوجوده بعدا وقدرا ، وتثبت إنسانيته وتؤكدها ، وتسمو به إلى درجة خدمة المطلق والجهاد في سبيله ، كل هذا يثبت أنه كائن مسؤول وراع للمسؤولية ، لأنها خاصية جوهرية معبرة عن كيانه الإنساني ، وتبعات وجوده ، وتصبح الحرية مجرد شرط للمُسَاءَلَةِ عن تبعات الفعل وكيفية إثباته .
ولهذا ينظر إلى الطفل قبل سن الرشد على أنه يتحمل تبعات أفعاله ويسأل عنها ، ويوجه إلى الحسن والقبيح ، ويمدح عن الخير ويزجر عن الشر .
02 – عظمة الإنسان في كونه خليفة الله في الأرض :
        تتجلى عظمة الإنسان في أن الله شرفه ورفع من قدره ، وحمله الأمانة والرسالة ، وجعله موضع التكليف واستخلفه في أرضه لينظر كيف يعمل اتجاه خالقه ، وتجاه ذاته ،وتجاه الغير والوجود من جهة حسن العمل أو الاساءة لذلك فهو مسؤول عما يفعل ، وفيما يختار .
03 – تسخير العلية العلمية والعلية الفلسفية :
    إن عالم الظواهر والأشياء محكوم بعلية علمية تعبر عنها العلاقات السببية بين الظواهر في شكل علة ومعلول وعظمة الإنسان تظهر من خلال عمله واجتهاده لكشف هذه العلاقات العلية بين الظواهر وصياغتها في شكل قوانين وتسخيرها لصالحه وخدمته ككائن واع وفعال ومسؤول .
والعلية الفلسفية كمبدأ يهتم بالأبعاد المعنوية والميتافيزيقية للإنسان من حيث أفعاله وأنماط تفكيره ، وارتباطاته بالعلل الأولى ، كل ذلك يعبر عن عظمة الإنسان وتحمله المسؤولية بين ما هو مادي وما هو معنوي ، وقدرة الإنسان على تفسير العلل ، والتأثير فيها وكأنه الجوهر الذي تنتهي إليه كمسؤول يتحمل تبعات ما يفعل اتجاه كل ذلك .


 


حل المشكلة :
   إن مشكلة العلاقة بين الحرية والمسؤولية  ترتبط أشد الارتباط بالإنسان ، فكما أننا نقول في مجال الفلسفة ،إن
الإنسان حيوان عاقل نقول أيضا إنه كائن مسؤول بقطع النظر عن وضعه وأحواله وسنه ، ومهما كانت عبقرية       المفكرين في حصر مشكلته وضبطها فإن لعظمة الإنسان بالنظر للكائنات الأخرى سر يزيده اعتبارا وكرامة في
أعين المؤمنين بالخالق والفضوليين في إجلاء خباياه .









 


كل النجاح والتوفيق بإذن الله

الحرية و المسؤلية







مقدمة: يجب بالبداية فهم أن الحرية التي نقصد تناولها هنا هي تلك التي تتعلق بالمسؤولية. , إذا كانت المسؤولية تعني الحال التي أكون فيها أتلقى أسئلة قادر أنا الإجابة عنها. لذا يتكون ذلك الموقف من طرفين أحدهما يسأل و الثاني يتلقى السؤال: يكون مسؤولا، بضمان الجواب أما تلك السلطة التي تستوقفه، و منه تحميله تبعات الأفعال التي صدرت عنه بحرية. و هذه الحرية تعني حرية الاختيار بين الفعل          و الترك. و السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في العلاقة بين كل من الحرية و المسؤولية، من يلزم عن الآخر؟ هل الإنسان حر لأنه مسؤول، أم أنه مسؤول لأنه حر؟ 

رد المسؤولية إلى الحرية: 
مختصر الموقف أن شرعية المسؤولية لازمة عن حقيقة واضحة جلية هي الحرية التي تعني القدرة على الفعل و عدم الفعل عن وعي      و إدراك لكل الدوافع و البواعث و من دون إكراه. 
المتهم أمام المحكمة يعتبر مسؤولا عن أفعاله لأنه يستوفي شروط المسؤولية التي هي الوعي و الإرادة الذان يعبران عن الفعل الحر. 
إن الحرية هي الأصل و الحق لذا فهي تبرر المسؤولية: 
نظريات إثبات حرية الاختيار و أصالتها: 
رأي أفلاطون: إن الروح بكونها من عالم المثل تكون قد اختارت كل أفعالها حينما كانت واعية حرة و أنها اختارت كل أفعالها، إلا أنها لم تعد تتذكر بسبب شربها من وادي النسيان. « أسطورة الجندي « إر ». بدليل أن أول من يحمل الجاني المسؤولية على منطلق كونه حرا هي النفس ذاتها حين تأنيب الضمير و عند الشعور بالندم. حينئذ يعترف الإنسان أمام ضميره أو نفسه و يحمله المسؤولية.    
أما المعتزلة فهم أيضا يرجعون المسؤولية إلى الحرية على خلفية التكليف و الجزاء الشرعيين، بما يشبه قليلا ما ذهب فيه أفلاطون، قائلين أن الإنسان يحس من ذاته وقوع الفعل بحسب الدوافع و الصوارف، فإذا شاء الحركة أو السكون فعل. و ديكارت من جهته يرجع الحرية إلى العقل. و الفيلسوف الألماني « كانط » يرى أن الحرية من حيث هي ضرورة وجب الانطلاق منها و إلا استحالت استقامة الأعمال و استحال الجزاء و تعم الفوضى. شأن الحرية شأن كل معطيات العقل النظري فهي تتصف كلها بالضرورة « la nécessité« . و المفكر و الفيلسوف الفرنسي « H. Bergson » « برقسون » يرى أن الإنسان يتقاسمه عالمان أحدهما علم الحتمية و عالم المادة، و عالم النفس عالم الحرية الديمومة التي لا نجد تكرارا للارتباط بين العلل و المعلولات. فهي ليست قابلة للتعليل و التحليل. 
و الوجودية تربط الحرية بماهية الإنسان. لسبب أن كونه محصورا بين الماضي الذي لم يعد موجودا و متجها نحو المستقبل المجهول حكم عليه بالجوهر على الاختيار بين الممكنات التي يتصورها من مقترحات الخبرة الماضية لعلها تفلح في مواجهة المستقبل. 
* لــــكن، هذه النظريات كلها انطلقت من التسليم بحرية الإنسان على شهادة الإرادة أو الضرورة إلا أنهما ليسا كافيين في إثبات حرية الاختيار. فالإرادة هي بنت الخبرة (العادة) و الوعي لا يطال أسباب كل ما يصدر عنا. أما التفسير بالضرورة فهو افتراض باطل لأنه بناء على تأويل ما حصل بشكل من الأشكال من أفعالنا. حين يقول القاضي للمتهم  » كان بوسعك أن تفعل و لا تفعل، فاخترت لأنك كنت حرا… » و هذا تبرير لحرية المتهم بتأويل أفعال ماضية… لذا يسمي « نيتشه » حرية الاختيار بميتافيزيقا الجلاد. و ما كان يتحدث عنه « برقسون » كحرية داخلية لا تنجر عنها مسؤولية اجتماعية. أما حجة الوجوديين فهي ترجع كل أفعال الإنسان إلى الحرية… 

نظريات نفي حرية الاختيار: 
إن الحتميات بمختلف أنواعها (الميتافيزيقية، الطبيعية،الاجتماعية، و النفسية) هي حقائق تحاصر الفعل الإنساني، فالحرية وهم و المسؤولية تعود إلى الضرورة و ليس إلى الحرية. و يرى الجبريون إن الفعل ليس من صفات العباد، و أنه لا فاعل إلا الله. و دعاة الحتمية الطبيعية (الفيزيائية) ينطلقون أن أفعال الإنسان تنجر عن الخصائص الفيزيائية و الكيميائية و الميكانيكية. و أن الاختيار الحر ليس إلا ميلا إلى حتميات دون غيرها. 
لكن نفي الحرية عن الإنسان هو تسويته مع عالم الطبيعة و الحيوان و منه تسقط كل أشكال الجزاء و القيم. كما أن التحجج بالحتميات لا يعني الخضوع و الاستسلام لها و تكون أنفسنا مجالا لسريانها. إن الإنسان يتمتع بالوعي و الإرادة الذان يقدران على التقريب بين الحتميات التي لا يمكن تجاهلها و حرية الاختيار كضرورة لا بد منها. 
و منه تحول الجدل، من البحث في حقيقة الحرية إلى مشكلة التحرر. و التحرر كعمل، لا يتجاهل الحتميات و لا يستسلم لها، و إنما يتعامل معها. 
فإذا كانت الحرية شرطا للمسؤولية، و نحن نعلم أن الحرية لم يوصل إلى التحقق منها، فكيف يمكن بناء المسؤولية على ما لم يتأكد منه؟ 

كيف يمكن رد حقيقة المشكلة إلى المسؤولية لا إلى الحرية؟ 
هل يعقل بناء المسؤولية على الحرية؟ 
في حالة ثبوت الشرط: 
حين ثبوت الحرية، يكون الإنسان مسؤولا لأنه حر، و منه يقتضي الجزاء. أما في الحالة الثانية، يكون التكليف و المسؤولية بمقتضى الواجب و القانون من دون اعتبار للحرية، فتسقط المسؤولية على كل الناس من دون تمييز. على خلفية أن الإنسان في كل الأحوال حر لأنه مسؤول. 
أليس من الشرعي طرح قضية المسؤولية قبل قضية الحرية
يرى فلاسفة الأخلاق و رجال الدين أن المسؤولية أسيق من الحرية و أنها أولى. إن ارتباط المسؤولية بالتكليف و خاصة العقاب جعلها أولى بالطرح و الاهتمام.. و لقد كانت جهود مكافحة الجريمة تقضي بالمسؤولية في تحقيق العدالة.   
ألا يتمثل مصدر المشكلة و حلها في عظمة الإنسان؟ 
من حيث كونه حضين المسؤولية و راعيها: 
يعتبر الإنسان مسؤولا منذ الطفولة الأولى و يحمل نتائج أفعاله بغض النظر عن أدنى اعتبار للحرية. لذا تنصب المسؤولية على الإنسان لكونه إنسان ليس أكثر و لا أقل. و يعتبر تدخل الضمير في تصحيح سلوكاتنا و دفع الضرر على شهادة على تأصل المسؤولية فينا 
من حيث عظمته في ميزاني العلية العلمية و العلية الفلسفية: 
إن الإنسان يميز بين ما يعتبر فيه مسؤولا باسم العلية الأخلاقية و بين ما ليس فيه مسؤولا مما يحصل بسبب العلية العلمية التي تسري في قوانين الطبيعة التي و إن كانت عنصرا في السلسلة التي تكون غل الإنسان، فهذا الإنسان نفسه لا يتعرى أو لا يجب قبول تنصله من المسؤولية. إن المسؤولية لا تسقط عن الإنسان بتوفر الدوافع الأسباب الموضوعية. 
من حيث هو مستخلف في الأرض: 
و كون الإنسان خليفة الله في الأرض يترتب عن الاستخلاف وجود شروط و التزامات هي الضوابط التي وضعها صاحب الملك  ـ الله ـ فهو يعتبر مسؤولا بحكم هذه الشروط، فيجزى يوم القيامة طبقا لها. 

الخاتمة: 
الحري و المسؤولية من القضايا المرتبطة بجوهر الإنسان و لا يسع لأي كان يحترم و يقدس و بشرف الإنسان برفع المسؤولية عنه. لذا يقول هيقل أن تحميل المسؤولية للإنسان اعتراف له بخاصية تشرفه عن بقية الكائنات و هي العقل. ألا يعتبر رفع المسؤولية عنا في ما صدر منا تحقيرا لنا. أن نعتبر غير مسؤولين ينقص من جدارتنا بصفة الكائن العاقل



بات قريبا دخول الشتاء

ســ نستقبله بكل دفء


كيف ســ نقضي ساعات النهار القصيرة قبل أمسيات اليلل الطويلة

يأتي الشتاء وتنهمر أحتياجاتنا...

الحاجة إلى.. إليه أول ماسيعتريني...

يا أحبة الشتاء شاروكني ..

لنمطر أحرفاً غزيرة كما تمطر السماء ماء بالشتاء ..

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

أوراق الخريف

آهِ ، كلي أملٌ أنْ تذكري الأمسَ وأيّاماً جميلـه
عندما كـنـّا رفيـقـيـْن نغـنـّي فـي الخـميـله.
حيث كان العيشُ أحلى ، لنْ تـَرَيْ أبْداً مثيـله
حيث كانتْ شمسُنـا أكثـرَ وَهْـجاً وسُـطوعاً
ما لشمسِ اليـومِ تبدو في السَّـما جِـدَّ كليله
هي ذي الأوراقُ ، أوراقُ غصون الشَّجَراتِ
فـوق جرّافـة حـرثٍ جُمـِعَتْ بعد شَتاتِ
هل تريْنَ ؟ إنني لست بناس ٍ...
فوق جرّافة حرثٍ جُمِـعتْ بعد شتاتِ،
وكذا الآهاتُ طرّاً وجميعُ الذكرياتِ،
كلّهـا مقهورة تحملها ريحُ الشَّمالِ
في خفـايا ليلة باردةٍ نحـو الزوالِ
وكذا النسيان يطويها إلى غير مـآلِ
لنْ تـَريْـني ناسياً أغنيـةً غنّيـتِـها لي.
لازمة
إنّها أغنيـة ٌ تـُُشبـِهـُنا حبّـاً ووَجْـدا
أنتِ، يا أنتِ التي هامتْ غـرامـا
وأنا الواله في حبِّـكِ شوقـاً وهـُيـاما
فلقد عشنا معـاً ننهل كأس الحبِّ رغدا
أنتِ، يا أنتِ التي هامتْ غـرامـا
وأنا الواله في حبِّـكِ شوقـاً وهـُيـاما
لكنِ الدّهـرُ ضنينٌ يُبعد العشّاق حَسْدا
وبلطف دون أنْ يُحدِثَ صوتاً أو نغـمْ
ومن الرَّمل مياه البحر تمحـو كلَّ آثار قدمْ
لمحبّـين نَأوا عن بعضهم قهـراً ونَكدا
هـي ذي الأوراقُ ، أوراقُ غصون الشَّجَراتِ
فـوق جرّافـة حـرثٍ جُمـِعَتْ بعد شَتاتِ
وكذا الآهـاتُ طـرّاً وجميعُ الذكـريـاتِ
إنّ حُـبّـي ، هادئـاً عذبـاً نقـيّـا ،
باسمٌ دوماً وممتـنّ ٌلهاتـيـكَ الحـياةِ
إنَّ حُـبّي لك جـمّ وافـرٌ ليس يُـحَـدّ ُ
فلقد كُـنتِ بحُسْنٍ ما لـه في الكون نِـدّ ُ
فلماذا الظنّ ُ أنْ أنساكِ لا حبّ ٌوعهدُ ؟
وحياة االأمس أحلى زانها عطر ووردُ
حيث كانتْ شمسُنا أكثرَ وهجاً وسطوعاً
ولقد كنتِ ليَ الأكثـرَ عطفاً يا فـتـاتي
غير أني لم أكنْ أعملُ إلاّ الحَسَـراتِ
والتي غنّـيْـتِـها لي من أغانيك شجيّـا
سوف أبقى دائماً أسمعها ما دمتُ حيّـا
لازمة
*
ترجمة : د. بهجت عباس

اوراق الخريف

بدأ الشتاء بلملمة أوراق الخريف المتساقطة ...
مستعدا للرحيل ..
لبث قليلا وهو مودعا ...
كنت بين ثنايا ليله الطويل أحيا ...
أقلب كلماتي يمنة ويسره ...
أوقد الشموع والأسرجة ...
,,,؛؛؛؛ وعلى خيوط من القمر المتسللة لي ...
أجمع أحلامي وأرتبها ...
أخلطها بشيء من الأمل قليل ...
لعل وعسى يكون لها نصيب من الواقع ...
,,, ؛؛؛؛ وكن الآن ...
من أين لي بليل طول ...
أنتظر فجره ... لأطبع على جبين الحياة بصمه ...
ليل رافقني به أرق ...
ونهار ... يرافقني به ذكريات على ضفاف نهر الحياة ...
تسكن ... ويجاوره نسيم مساء يلوح بالأفق ...
وعلى الجهة المقابلة ...
أنجم لليل ... سيكون عما قريب يتوسط السماء ...
هنا و هناك ...
صمت و كلام ..
حزن و فرح ...
قلم و ورق ...
محبرة وكلمات ...
سواء كان ليل شتاء أم نهار ربيع ...
هم رفقتي ...
ولكن ... وحدة تحضر وتغيب ...
وكلمات ترحل لزمن قد مضى ...
وأخرى تحل للآن ...
,,, ؛؛؛؛ عندما يسيطر الحزن على أركان يومي وليلي ...
عندما يكون للآه مساحة من يومي ...
عندما يكون للصمت بقعة ضوء خلال ثواني عمري ...
عندها ... تطرق الدموع أبواب المكان ...
لتعزف من حزني أرقى معزوفات ألم ... قد يسمعها بشر ...
تتراقص على أثرها آهات خرجت مع قطع من الروح ...
وكلمات من الزمان أضحت مجروحة ...
بين كفن وقبر
...
...؛؛؛؛ وأنا أرقب من بعيد أجمل وأروع ليلة ساهرة ...
جمعت بين ... دموع وآهات وكلمات ... وابتسامات ماضي ...
ورق بقبضة يدي ... ومحبرة تنتظر أن يفوح حبرها منها ... ليصل إلى شرايين قلم ...
ينتظر مداعبة وجه الورق
...
...؛؛؛؛ جمعت ما تبقى من رفقتي وعدت أدراجي ...
فليل البقية ما يزال طويل ...


خربشـــــــــــــات قلم ...

الخميس، 25 سبتمبر 2014

تحريك الدعوى من طرف النيابة

مـــــــقدمــــــة
الدعوى العمومية ضرورية لإمكان معاقبة الجاني فلا عقوبة بغير دعوى عمومية و تبدأ تلك الدعوى بأي إجراء يتخذ أمام إحدى جهات التحقيق أو الحكم و هو ما يسمى بتحريك الدعوى العمومية فلا تنظر المحكمة الدعوى من تلقاء نفسها ، و يعد تحريكا للدعوى العمومية طلب وكيل الجمهورية من قاضي التحقيق افتتاح أو إجراء التحقيق و تكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح و المخالفات من طرف النيابة العامة و متى حركت الدعوى العمومية فإن مباشرتها أو استعمالها يشمل بالإضافة إلى تحريكها متابعة السير فيها أمام سلطات التحقيق أو جهات الحكم حتى يقضي فيها بحكم بات و من ذلك رفع الدعوى أمام المحكمة و تقديم الطلبات من النيابة و طعنها في الأحكام
المبحث الأول: نشوء الدعوى العمومية و تحريكها و مباشرتها
المطلب الأول: نشأة الدعوى العمومية:
تنشأ الدعوى العمومية منذ لحظة ارتكاب الجريمة استنادا إلى حق المجتمع في العقاب و بعد نشوئها قد تتحرك و قد لا تتحرك، لو فرضنا أن قائد سيارة صدم حيوانا في الطريق ليلا و هرب تحت جنح الظلام و لم يره أحد و لم يبلغ أحد عن الجريمة التي ارتكبها ففي مثل هذه الحالة و قعت جريمة و نشأت الدعوى العمومية منذ لحظة ارتكاب الجريمة و لكن لم تتحرك إذ لم تتخذ أية إجراءات لضبط الواقعة و نسبتها إلى متهم معين و إحالته للقضاء.
المطلب الثاني: تحريك الدعوى العمومية:
يقصد بتحريك الدعوى العمومية بداية تسييرها و تقديمها للمحكمة الجزائية المختصة بنظرها فالتحريك هو المرحلة الأولى من الإجراءات الجزائية في الدعوى و لكن متى يبدأ التحريك؟ و متى يتم ؟
التحريك يبدأ باتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق أي بمباشرة قاضي التحقيق لعمله فيها و من المعلوم أن قيام مأموري الضبط القضائي بإجراءات في حالة انتدابهم من قاضي التحقيق يعتبر بداية للتحريك و يتم تحريك الدعوى العمومية بتقديمها للقضاء أي بدفعها للمحكمة فبإحالة التحقيق الجنائي للمحكمة المختصة و اتصال الدعوى بالمحكمة نقول أنه قد تم تحريكها فعلا لاتصالها بمرفق القضاء.
المطلب الثالث: مباشرتها (استعمالها)
يقصد بمباشرة الدعوى أو استعمالها إتخاذ بعض الاجراءات حيالها بعد رفعها إلى القضاء أي بعد إتصالها بالمحكمة، و يكون ذلك عن طريق ابداء الطلبات من ممثل النيابة أمام القضاء إما شفويا أو كتابيا و كذلك الطعن في القرارات أو الأحكام الصادرة في تلك الدعوى و ما إلى ذلك حتى تنتهي الدعوى بصدور الحكم النهائي.
حق النيابة في تحريك و مباشرة الدعوى العمومية:
ينص قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أن النيابة العامة تباشر الدعوى العمومية باسم المجتمع و تطالب بتطبيق القانون و أنها تمثل أمام كل جهة قضائية (المادة 09).
كما ينص أيضا على أن النيابة العامة تبدي أمام تلك الجهات القضائية ما تراه لازما من الطلبات، و أن لها أن تطعن الاقتضاء في القرارات و الأحكام التي تصدرها تلك الجهات القضائية بكافة طرق الطعن القانونية (المادة 36 فقرة 4.5 )
حق المدعي المدني في تحريك الدعوى العمومية (الأداء المباشر):
ينص قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه يجوز للطرف المضرور أن يحرك الدعوى العمومية طبقا للشروط المحددة في نصوصه (المادة 1 الفقرة 2).
و يكون ذلك عن طريق التكليف بالحضور الذي يتوضح به موضوع الواقعة محور المتابعة مع ذكر النص القانوني الذي يعاقب على تلك الواقعة و ذكر المحكمة المرفوعة إليها، و مكان و ساعة و تاريخ انعقاد الجلسة و صفة المبلغ إليه متهما كان أم مسؤولا عن الحق المدني. (المادة 440).
حق رؤساء المجالس القضائية و المحاكم في تحريك الدعوى العمومية:
من استقراء نصوص قانون الإجراءات الجزائية الجزائري يتضح لنا أن المشرع قد خول رؤساء المجالس القضائية و رؤساء المحاكم حق تحريك الدعوى العمومية و حصر هذا الحق في الجرائم التي تقع في أثناء إنعقاد الجلسات القضائية و يمكن تلخيص تلك النصوص فيما يلي:
أولا: إذا ارتكبت جناية في احدى جلسات المحكمة أو المجلس القضائي فإن رئيس الجلسة يحرر محضرا و يستجوب الجاني و يسوقه و معه أوراق الدعوى إلى وكيل الدولة الذي يطلب افتتاح تحقيق قضائي يجريه قاضي التحقيق طبقا للقواعد العامة (المادة 571).
ثانيا: إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة محكمة الجنايات أو في جلسة محكمة أول درجة التي تنظر قضايا الجنح أو المخالفات فإن رئيس الجلسة يأمر بتحرير محضر عنها و يقضي فيها في الحال بعد سماع أقوال الشهود و النيابة العامة و المتهم و الدفاع عند الاقتضاء ( المادتان 569 و 570 اجراءات). و معنى ذلك أن رئيس الجلسة في الحالتين يملك حق تحريك الدعوى العمومية ، أما مباشرتها فدائما تكون بمعرفة النيابة العامة التي تكون ممثلة في جميع الجلسات القضائية التي تنظر المواد الجنائية بحكم تشكيل تلك المحاكم و المجالس القضائية و يقضي رئيس الجلسة في الدعوى بصفته قاضي الحكم.
ثالثا: إذا ارتكبت جريمة في جلسة محكمة أو مجلس قضائي لا ينظر المواد الجنائية كأن تكون الهيئة القضائية تنظر المواد المدنية أو التجارية أو الأحوال الشخصية ففي هذه الحالات يأمر الجلسة بتحرير محضر عنها و ارساله إلى وكيل الدولة، و إذا كانت الجريمة معاقب عليها بعقوبة الحبس الذي تزيد مدته على ستة شهور جاز لرئيس الجلسة في هذه الحالة أن يأمر بالقبض على المتهم و ارساله فورا للمسؤول أمام وكيل الدولة (المادة 568)
المبحث الثاني:قيود تحريك الدعوى العمومية
المطلب الأول: الشكوى
ماهية الشكوى:
يقصد بالشكوى البلاغ أو الإخطار الذي يقدمه المجني عليه إلى السلطات المختصة طالبا تحريك الدعوى العمومية بشأن جرائم معينة خطر المشرع تحريكها بصددها قبل تقديمه.
و قد أطلق المشرع الجزائري كلمة الشكوى فضلا عن ذلك على البلاغ المقدم من المضرور من الجريمة جناية كانت أو جنحة إلى قاضي التحقيق و المصحوب بالإدعاء المدني، و الذي يؤدي إلى تحريك الدعوى العمومية (مادة 72) و الشكوى هنا وسيلة للإدعاء المدني، و يمكن أن تستأنف الدعوى العمومية سيرها بدونها عن طريق النيابة العامة، أما الشكوى التي نحن بصددها فهي قيد على سلطة النيابة بشأن جرائم معينة
الجرائم التي تستلزم الشكوى:
1- جريمة الزنا المنصوص عليها في المادة 339 من قانون العقوبات .
2- جرائم السرقة التي تقع بين الأقارب و الحواش و الأصهار لغاية الدرجة الرابعة ( مادة 369 عقوبات). و قد نصت (المادة 368 عقوبات) على أن السرقات التي تقع من الأصول أضرارا بفروعهم أو العكس أو من أحد الزوجين أضرارا بالزوج الآخر لا يعاقب عليها و لا تخول إلا الحق في لبتعويض المدني.
3- جرائم النصب (مادة 372 عقوبات) و خيانة الأمانة ( مادة 377 عقوبات) و إخفاء الأشياء المسروقة ( مادة 389 عقوبات) متى وقعت بين الأشخاص المشار إليهم في (المادة 369 عقوبات ) و كذلك لا يعلقب على تلك الجرائم في الحالات المنصوص عليها في (المادة 368 عقوبات).
4- خطف أو ابعاد القاصرة و زواجها من خاطفها (مادة 326 عقوبات).
5- ترك أحد الوالدين لأسرته أو الزوج الذي يتخلى عن زوجته مع علمه بأنها حامل (مادة 330 فقرة 261 عقوبات).
ممن تقدم الشكوى:
استلزم القانون تقديم الشكوى من المجني عليه تاركا ذلك لتقديره و لذلك فهي حق شخصي يمارسه بنفسه أو بوكيل خاص عن جريمة معينة سابقة على التوكيل، فلكل جريمة تقديرها لدى المجني عليه، و ينقضي هذا الحق بوفاة المجني عليه و لو لم يصفح عن الجاني أو لم يعلم بالجريمة.
و إذا تعدد من يتطلب القانون شكواهم بشأن جريمة واحدة فيكفي أن يشكو أحدهم عدا جريمة الزنا فإنها نظرا لطبيعتها الخاصة تستلزم شكوى المجني عليهما. و إذا تعددت الجرائم فإنه يتعين أن يشكو المجني عليه في كل منها، و إذا كان المجني عليه غير أهل لتقديم شكوى قدمها ممثله القانوني
و إذا اشترط القانون صفة معينة في مقدم الشكوى كصفة الزوج بالنسبة لجريمة الزنا أو استلزم رابطة معينة بين مقدم الشكوى و بين المتهم كالمصاهرة وجب توافر هذه الصفة أو الرابطة وقت تقديم الشكوى فلو طلق الزوج زوجته طلاقا بائنا قبل تقديم الشكوى سقط حقه في تقديمها أما إذا حدث الطلاق بعد الشكوى فإنه لا يحول دون الحكم على الزوج الزاني.
ضد من تقدم الشكوى:
الأصل أن الشكوى توجه ضد المتهم و هو من استلزم القانون وجوب تقديم الشكوى لاتخاذ الإجراءات ضده و لكن المتهم قد يكون غير معلوم بالرغم من وقوع الجريمة و علم المجني عليه بها، فلا يحول ذلك دون التقدم بالشكوى دون اعتبار لشخص من يسفر اتخاذ الإجراءات عن إسناد التهمة إليه، و عندما يتضح الشخص المتهم فإنه ينبغي تقديم شكوى بالرغبة في السير في الإجراءات ضده.
و إذا تعدد المتهمون فلا يلزم تقديم الشكوى ضدهم جميعا و من باب أولى إذا كان القانون لا يتطلب الشكوى بالنسبة لبعض المساهمين في الجريمة فإن النيابة تستطيع أن تسير في الدعوى دون انتظار لتقديم الشكوى ضده إلا أنه بالنسبة لجريمة الزنا فإنه لا يجوز اتخاذ الإجراءات قبل شريك الزوج الزاني قبل تقديم الشكوى.
الجهة التي تقدم الشكوى إليها:
اشترط القانون تقديم الشكوى لتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها، و لذلك فهي تقدم إلى النيابة العامة المختصة بذلك الإجراء أو إلى أحد ضباط الشرطة القضائية بوصفه السلطة التي تمهد بإجراءاتها لتحريك الدعوى، أو إلى المحكمة الجزائية برفع الدعوى العمومية مباشرة أمامها بطريق الادعاء المباشر و لكن لا يعد شكوى رفع الدعوى المدنية على الجاني أمام المحكمة المدنية أو رفع الدعوى إنكار نسب طفل ولدته الزوجة أمام محكمة الأحوال الشخصية أو تقديم شكوى إلى الجهة الإدارية التي يتبعها الجاني إذ لا تختص تلك الجهات باتخاذ الإجراءات الجنائية فضلا عن أن المجني عليه لا يطلب منها ذلك.
و لا يسقط الحق في تقديم الشكوى في التشريع الجزائري إلا بانقضاء الدعوى العمومية.
شكل الشكوى:
يستوي في الشكوى أن تكون كتابة أو شفاهة و بأية عبارات مادامت دالة على رغبة المجني عليه اتخاذ الإجراءات الجنائية قبل المتهم و ليس مجرد طلب أخذ تعهد بعدم تكرار الجريمة أو طلب الصلح.
أثر تقديم الشكوى:
متى قدمت الشكوى زال القيد على اتخاذ الإجراءات الجزائية و جاز تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو غيرها و جاز للنيابة أن تباشر كافة إجراءات الاتهام طبقا للقانون و لا شأن للمجني عليه بالدعوى العمومية بعد تقديمه الشكوى أما إذا حركت الدعوى العمومية أو بوشرت فيها إجراءات المتابعة قبل تقديم الشكوى فإنها تكون باطلة بطلانا مطلقا يتعلق بالنظام العام لأنه يمس مصلحة عامة أراد المشرع حمايتها بهذا القيد و لا يصح هذه الإجراءات رضاء المجني عليه في الدعوى و لا حتى تقديم الشكوى و إذا رفعت الدعوى إلى المحكمة قبل تقديم الشكوى وجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبولها لبطلان الاجراءات .
التنازل عن الشكوى:
أجاز القانون للمجني عليه أن يتنازل عن الشكوى بسحبها (مادة 6/3) و هو ما يتفق مع حكمتها فقد يرى ان المصلحة في ذلك و يصدر التنازل من المجني عليه بوصفه صاحب الحق في الشكوى أو ممن ينوب عنه أو يمثله قانونا.
و بالنسبة لجريمة الزنا فإن التنازل لا ينتج أثره في الصفح عن الزوج الزاني إلا إذا كان المجني عليه لا زال حسب الواضح من نص (المادة 339 ) إذا انقضت رابطة الزوجية بالطلاق فلا يمكن أن يتنازل عن الدعوى العمومية و حق التنازل كالحق في الشكوى من الحقوق الشخصية التي تنقضي بوفاة المجني عليه و لا تنتقل إلى الورثة.
شكل التنازل:
سحب الشكوى صورة من صور التنازل الذي لا يستلزم شكلا معينا فقد يكون مكتوبا أو شفويا و لا يلزم أمام القضاء أو النيابة أو الضبط القضائي فقد يتضمنه خطاب إلى الزوجة أو أحد أقاربها و التنازل صريح تدل عليه ذات ألفاظه و حينئذ يتعين على القاضي ترتيب أثره، أو ضمني يستفاد من ألفاظ أو عبارات لا تدل عليه بذاتها، و من تصرفات صادرة من المجني عليه تتم عن اعراض صاحب الشكوى من شكواه.
وقت التنازل:
حق المجني عليه في الشكوى لا ينشأ إلا إذا وقعت الجريمة فعلا فلا يتصور التنازل عن جريمة مستقبلة، غير أن مثل هذا التنازل قد يفيد الرضاء بالجريمة و هو ما يؤدي إلى انتفاء أحذ عناصرها إذا كانت تستلزم عدم رضاء المجني عليه و من ذلك السرقة فتنازل القريب أو الصهر مقدما عما يسرقه منه قريبه أو صهره يمكن اعتباره رضاء بالواقعة يجردها من عدم المشروعية، و للمجني عليه أن يتنازل عن الشكوى التي يقدمها في أي وقت حتى تنقضي الدعوى العمومية بحكم بات أو بغيره من الأسباب.
أثر التنازل:
إذا تنازل المجني عليه قبل تقديم الشكوى انقضى حقه في تقديمها و امتنع تحريك الدعوى العمومية بالنسبة للجريمة أو المتهم الذي استلزم القانون بشأنهما تقديم الشكوى.
أما إذا حدث التنازل بعد تقديم الشكوى فإنه يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية (مادة 6) فيأمر قاضي التحقيق بالأوجه للمتابعة أو تقضي المحكمة بذلك و لكن هذا التنازل لا يؤثر على حق المجني عليه المضرور في الإدعاء أمام المحكمة المدنية و لا على الدعوى المدنية التبعية فتستمر المحكمة الجنائية في نظرها رغم انقضاء الدعوى المدنية ما لم يتنازل المجني عليه من الحق المدني أيضا.
و النازل عن الشكوى لا يستفيد منه جميع المتهمين الذين يستلزم القانون تقديم الشكوى لا مكان تحريك الدعوى قبلهم أما بالنسبة للمتهمين الآخرين فإنهم لا يستفيدون من التنازل فمن ساهم مع الأخ في سرقة مال أخيه لا يفيد من تنازل الأخ عن شكواه بالنسبة لأخيه.
التنازل بعد الحكم البات:
متى صار الحكم باتا انقضت الدعوى العمومية ووجب تنفيذ العقوبة المقضي بها و لذلك لا يملك المجني عليه التنازل عن تنفيذ العقوبة.
المطلب الثاني: الطلب
ماهيته:
يعهد القانون أحيانا إلى إحدى هيئات الدولة و مصالحها بتقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية بصدد جريمة أضرت بها. إذ تكون هذه الجهات أكثر قدرة من النيابة العامة على الاحاطة بكافة الظروف و الملابسات المتصلة بهذه الجريمة فتطلب منها تحريك الدعوى العمومية أو تمنع عن ذلك.
و من أمثلة هذه الجرائم تلك المنصوص عليها في المواد 161، 162، 163، عقوبات و هي الجرائم التي يرتكبها متعهد التوريدات و المقالات للجيش الشعبي الوطني بعدم تنفيذ تلك التعهدات أو الغش في تنفيذها أو التأخر في ذلك ، إذ لا يجوز تحريك الدعوى العمومية إلا بناءا على شكوى من وزير الدفاع الوطني (مادة 164 عقوبات).
أحكامه:
و يقدم الطلب من الجهة التي حددها القانون و هو كالشكوى لا يجوز التفويض العام بشأنه و إنما يستلزم توكيلا خاصا بصدد جريمة معينة ما لم يسمح القانون بالتفويض العام في الاختصاص بتقديم الطلب و للجهات المشار إليها أن تقدم الطلب في أي وقت قبل انقضاء الدعوى الجنائية و متى قدم الطلب عادت للنيابة سلطتها الأصلية في تحريك و مباشرة الدعوى العمومية.
و لم ينص التشريع الجزائري على جواز التنازل عن الطلب بعد تقديمه كما هو الشأن في حالات الشكوى ولا يسقط الطلب بوفاة الموظف العام صاحب السلطة في تقديمه فهو متعلق بوظيفته و ليس بشخص مقدم كالشكوى.
و إذا لم يقدم الطلب أو قدم من جهة غير مختصة قلا يجوز تحريك الدعوى العمومية أو إتخاذ أي إجراء فيها و إلا كان باطلا بطلانا مطلقا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها و لا يصححه الطلب اللاحق إلا أن ذلك لا يؤثر على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية عن الجرائم الأخرى و لو كانت مرتبطة بالجريمة محل الطلب.
المطلب الثالث: الآذن
ماهيته:
يفترض الأذن انه شخصا ينتمي إلى هيئة ما من هيئات الدولة اتهم بارتكاب جريمة و تبدي الهيئة رغبتها في تحريك الدعوى العمومية قبله و اشتراط الأذن لا يقصد به تمييز أعضاء الهيئات لأشخاصهم و إنما يهدف إلى ضمان عدم التأثير على أداء العضو لوظيفته على الوجه الأكمل فلا يتخذ ضده أي إجراء من إجراءات المتابعة الجزائية قبل استئذان تلك الهيئات و لذلك يعد هذا القيد حصانة لأعضائها و أهم حالات الأذن الجرائم التي يتهم فيها أعضاء مجلس الشعبي الوطني و رجال القضاء.
أحكام الاذن:
يختلف الأذن عن الشكوى و الطلب في أنه يهدف إلى حماية المتهم و لا يقصد به صيانة مصلحة للمجني عليه فردا كان أو هيئة. و يشترك معهما في أنه طبقا للتشريع الجزائري يجووز تقديمه في أي وقت قبل انقضاء الدعوى العمومية و يماثل الأذن الطلب في أنه لا يجوز العدول عنه بعد مباشرته و إذا تعدد المتهمون اللازم صدور الأذن لمتابعتهم فإن صدوره ضد أحدهم لا يجيز متابعة باقي المتهمين و تحريك الدعوى العمومية باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق قبل الأذن يكون باطلا و لو رضي به العضو و تقضي المحكمة به من تلقاء نفسها و يجوز الدفع به في اي حالة كانت عليها الدعوى لارتباط الأذن بالصلح العام و ليس بصالح العضو الشخصي .
و تختلف آثار الآذن باختلاف حالاته و تقتصر على =كر مثال لهذه الأثار بالنسبة لأعضاء المجلس الشعبي الوطني.
فتنص المادتان 138-139 من الدستور الجزائري على عدم جواز متابعة أي نائب بالمجلس الشعبي الوطني بسبب عمل إجرامي إلا بإذن من ذلك المجلس الذي يقرر رفع الحصانة بأغلبية أعضائه.
و ينصرف لفظ المتابعة إلى تحريك الدعوى العمومية عن طريق اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى العمومية ضده.
و يتمتع عضو المجلس الشعبي الوطني بهذه الحصانة منذ انتخابه و حتى تنتهي فترة نيابته سواء كان المجلس في فترات الإنعقاد أو بينها، و لا يؤثر في الحصانة الطعن في صحة هذا الانتخاب طالما لم يصدر قرار بإبطال نيابته.
و هي حصانة تشمل جميع الجرائم جنايات و جنح و مخالفات و لو كانت في حالة التلبس.
و لكن الحصانة قاصرة على الإجراءات الجزائية فيمكن اختصام عضو المجلس الشعبي الوطني أمام المحاكم الجزائية بصفته مسؤولا عن الحقوق المدنية أو مطالبته بالتعويض عن الجريمة المنسوبة إليه أمام المحاكم المدنية.
و طلب الأذن بمتابعة عضو المجلس الشعبي الوطني أي رفع الحصانة عنه يقدم إلى رئيس المجلس من النيابة العامة أو المدعي بالحقوق المدنية و ترفق به بالمستندات المؤيدة له و يحيل المجلس الطلب إلى إحدى لجانه كي تفحصه و تقدم تقريرا عنه للمجلس.
و تقتصر وظيفة المجلس على التأكد من جدية الدعوى و أن الباعث عليها غير سياسي أو حزبي أو ما شابه ذلك، و ليس له أن يبحث موضوع الدعوى أي مدى ثبوت التهمة من عدمه و إلا اعتدى على اختصاص السلطة القضائية.
فإذا قرر المجلس رفض الطلب امتنع على الجهة القضائية تسير في الدعوى و إذا قرر رفع الحصانة أصبح العضو كباقي الإقرار بالنسبة للدعوى أو الإجراءات موضوع الطلب فقط
المبحث الثالث:أسباب انقضاء الدعوى العمومية
المطلب الأول: الأسباب العامة لانقضاء الدعوى العمومية
1- وفاة المتهم: حالة الوفاة هي توقف القلب و الجهاز التنفسي في جسم الإنسان عن أداء وظائفهما
توقفا تاما و يترتب على وفاة المتهم إنقضاء الدعوى العمومية بنص القانون و يترتب على وفاة المتهم آثار قانونية و هي:
- إذا لم تكن الدعوى قد رفعت بعد يمتنع على النيابة العامة رفعها و مع ذلك للنيابة أن تأمر
بمصادرة الأشياء المضبوطة إداريا إذا كانت هذه الأشياء استعملت في ارتكاب الجريمة.
- أما إذا كانت الدعوى قد رفعت أمام القضاء و توفي المتهم أثناء سير الدعوى يجب على المحكمة
أن تحكم بانقضاء الدعوى بوفاة المتهم دون التعرض للموضوع، و للمحكمة أن تحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة.
- و إذا حدثت الوفاة بعد صدور حكم ابتدائي في الدعوى و قبل الطعن فيه فلا تستطيع النيابة
العامة ولا الورثة الطعن في ذلك الحكم الابتدائي.
- و إذا حدثت الوفاة بعد التقرير بالطعن في الحكم من المتهم أو من النيابة و قبل صدور حكم
نهائي فإن على المحكمة التي تفصل في الطعن أن تحكم بانقضاء الدعوى سواء كان الطعن بالمعارضة أو بالاستئناف
- أما إذا حصلت الوفاة بعد صدور حكم نهائي فإن الدعوى تنقضي بهذا الحكم لا بالوفاة و يسقط
الحكم من تلقاء نفسه فيما يتعلق بالعقوبة السالبة أو المقيدة للحرية، أما العقوبات المالية و التعويضات و ما يجب رده و المصاريف فهي واجبة التنفيذ في تركة المتوفي باعتبارها ديونا عليه.
- و لا تأثير لوفاة المتهم على سير الدعوى المدنية المرفوعة مع الدعوى العمومية و للمدعي
المدني أن يدخل ورثة المتوفي في الدعوى المدنية ليحصل غلى الحكم بالتعويض في مواجهتهم أمام المحكمة الجنائية التي تنظر الدعوى العمومية.
- كما أن وفاة المتهم لا تؤثر على سير الدعوى العمومية بالنسبة لباقي المتهمين فاعلين كانوا أو
شركاء كقاعدة عامة إلا أنه يرد على هذه القاعدة استثناء وحيد في جريمة الزنا فوفاة الزوج الجاني تنقضي بها الدعوى على الشريك ما لم يكن قد صدر نهائي بالإدانة و ذلك تأسيسا على قاعدة أن أيهما بريء حتى تثبت إدانته بصدور حكم نهائي ضده و إدانته معقودة بإدانة شريكه فموت أحدهما يمنع بحث إدانة الآخر.
2- التقادم: يرتب المشرع على التقادم انقضاء الدعوى العمومية و التقادم يعني مرور فترة من
الزمان على إرتكاب الجريمة و تلك الفترة الزمنية يحددها القانون.
حكمة التقادم: تقوم فكرة سقوط الدعوى أو انقضائها بالتقادم على عدة أسباب هي:
أ*- أن الجريمة قد نسيت و محيت آثارها بمرور السنين أي تلاشت من ذهن الأفراد.
ب*- صعوبة إثبات الحرية نظرا لضياع الأدلة أو تأثرها بمرور الزمن.
جـ- حث السلطات على المبادرة إلى ضبط الجرائم و تعقب الجناة و تقديمهم للمحاكمة خلال مدة
قيام الدعوى العمومية.
أحكام التقادم و آثاره:
أحكامه:
- نص قانون الإجراءات الجزائية على أن تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنايات بانقضاء
عشر سنوات كاملة و في مواد الجنح بمرور ثلاث سنوات كاملة و في مواد المخالفات بمضي سنتين كاملتين.
- و تحتسب تلك المدة اللازمة لانقضاء الدعوى من اليوم التالي لارتكاب الجريمة إذا لم يتخذ في
تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة.
أما إذا اتخذت إجراءات تحقيق أو متابعة خلال فترة التقادم فإن التقادم ينقطع.
- في الجريمة الوقتية كالقتل و السرقة البسيطة أو الضرب تحتسب مدة التقادم من اليوم التالي من
وقوع الجريمة أو البدء في تنفيذها إن كانت شروعا، أما في جرائم الاعتياد كجرائم التحريض على الفسق و جرائم التشرد تبدأ مدة السقوط من اليوم التالي لارتكاب الفعل الثاني الذي تتم به الجريمة.
آثاره:
- يترتب على التقادم انقضاء الدعوى العمومية فلا يمكن تحريكها بعد فوات المدة القانونية للتقادم
و الانقضاء بالتقادم من النظام العام و يعني ذلك أنه يجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى و لو لأول مرة أمام المجلس الأعلى للقضاة و للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها و لا يقبل من المتهم التنازل عنه.
3- العفو الشامل: تنقضي الدعوى العمومية بالعفو الشامل و هو الذي يعبر عنه بالعفو عن الجريمة
و هو يزيل الصفة الجنائية عن الفعل المرتكب بأثر رجعي وكأن الفعل كان مباحا في وقت ارتكابه.
و العفو الشامل يعتبر تنازلا من المجتمع عن حقه في العقاب و عدولا منه عن استعمال حقه في
التجريم و ذلك لا يكون إلا بقانون و بشأن جرائم معينة وقعت في فترة زمنية محدودة و تكون لها أهمية إجتماعية خاصة على المستوى القومي للجماعة.
آثار العفو الشامل:
- إذا صدر العفو الشامل قبل رفع الدعوى العمومية فلا يجوز للنيابة رفعها.
- و إذا كانت قد رفعت تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بإنقضاء الدعوى لأن قواعد انقضاء الدعوى العمومية تعد من النظام العام.
- و إذا صدر العفو بعد الحكم نهائيا في الدعوى أو بعد تنفيذ العقوبة كليا أو بعضها فإنه يمحو أثر الحكم محوا تاما.
4- صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به:
صدور الحكم النهائي في الدعوى العمومية سواء كان بالبراءة أم بالإدانة تنتهي به الدعوى، بل هو
الطريق العادي الطبيعي لإنقضائها.
شروط الحكم الذي تنقضي به الدعوى العمومية:
أن يكون قضائيا: أي صادر من محكمة (هيئة قضائية)
أن يكون نهائيا: أن لا يكون قابلا للطعن فيه بالمعارضة أو بالإستئناف.
أن يكون قطعيا: أي فاصلا في كل أو بعض موضوع الدعوى فلا يعتد بالأحكام الصادرة قبل العمل في موضوع الدعوى.
أن يكون صادرا من محكمة مختصة: أي أن يكون صادرا من المحكمة ذات الولاية في الفصل في موضوع الدعوى.
5- إلغاء القانون الجزائي:
تنقضي الدعوى العمومية بإلغاء القانون الجزائي الذي ينص على تجريم السلوك الذي من أجله
تحركت الدعوى و قد ورد هذا السبب ضمن أسباب الإنقضاء في المادة السادسة من قانون الإجراءات في فقرتها الأولى، فإن كانت لم ترفع للقضاء يمتنع عن النيابة رفعها و إن كانت قد عرضت على القضاء يحكم بعدم قبولها ، و إذا كان قد صدر فيها حكم يوقف أثر ذلك الحكم
المطلب الثاني:الأسباب الخاصة لإنقضاء الدعوى العمومية
1- الصلح القانوني: و يقصد به التصالح في الدعوى العمومية لقاء دفع مبلغ معين من المال و النيابة العامة لا تملك هذا الصلح إلا إذا كان القانون ينص عليه صراحة و يحدد المبلغ الذي يتم التصالح عليه، و بتعبير آخر فإن الصلح سلطة تقديرية لأعضاء النيابة العامة و مثال ذلك ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائري صراحة في الكتاب الثاني من المادة 381.
و إذا رفعت مخالفتان في محضر واحد يتعين على المخالف أن يدفع المقدار الإجمالي لغرامتي الصلح المستحقتين عليه عنهما (383 إجراءات).
و يتم السداد دفعة واحدة خلال الثلاثين يوما التالية لاستلام الإخطار بالدفع المرسل إليه من النيابة في هذا الشأن (م 384 إجراءات)
كما نصت (المادة 389 إجراءات) على إنقضاء الدعوى بهذا الصلح.
2- سحب الشكوى: تضمنت الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من قانون الإجراءات الجزائية أن الدعوى العمومية يجوز أن تنقضي بسحب الشكوى في الحالات التي تكون فيها الشكوى شرطا لازما للمتابعة.
و الأصل في سحب الشكوى أن يكون صريحا لا لبس فيه.
كما يشترط في التنازل أن يكون باتا غير معلق على شرط فإن كان التنازل معلقا على شرط كأن يتنازل المجني عليه في جريمة السرقة التي ارتكبها أحد الأقارب من الدرجة الرابعة عن شكواه معلقا تنازله هذا على رد المسروقات إليه مثلا.
أثر التنازل عن الشكوى أو سحبها: بمجرد حصول التنازل صريحا غير معلق على شرط تنقضي الدعوى العمومية، و الجدير بالملاحظة في هذا الصدد أن التنازل عن الطلب غير جائز إلا في الحالات التي ينص فيها القانون على جواز إجراء تصالح قانوني بين ممثل الهيئة الرسمية التي وقعت عليها الجريمة و بين المتهم و هو ما يعبر عنه بالصلح القانوني كما هو الحال في بعض التشريعات الضريبية و التهريب الجمركي و المخالفات.
المبحث الأول: النيابة العامة
المطلب الأول: نشأة النيابة العامة
أدى تطور النظام الإتهامي الى تخويل أي مواطن حق تحريك الدعوى العمومية باسم المجتمع و هو ما عرف بالاتهام الشعبي ثم أسند موظف عام استعمال الدعوى العمومية كما أسند الى بعض الأشخاص مهمة تمثيل الملوك والنبلاء أمام المحاكم والدفاع عن مصالحهم وكانت الغرامات والصادرات المقضى بها تذهب إليهم مما أضفى على مهمة هؤلاء النواب و المحامين طابعا ماليا
وبظهور نظام التحري والتنقيب و ازدياد سلطة الدولة تطورت وظيفة ممثلي الملك والنبلاء فأصبحوا يمثلون الاتهام وحدهم وهكذا انقرض الاتهام الفردي وحل محله الاتهام العام و نشأ في فرنسا جهاز النيابة العامة الذي يمثل جميع مصالح الملك و يتولى الاتهام وحده وأعتنقه قانون تحقيق الجنايات الفرنسي منذ أوائل القرن التاسع عشر ولكن ظل للمضرور حق تحريك الدعوى العمومية فبعد تحريكه لها يقتصر الاتهام على النيابة العامة وحدها .
المطلب الثاني: اختصاصات النيابة العامة
للنيابة العامة بعض الاختصاصات بالنسبة للدعوى العمومية كما تمارس اختصاصات أخرى خارجة عن تلك الدعوى
أولا – اختصاصات النيابة العامة بالنسبة للدعوى العمومية
1 الاتهام النيابة العامة هي سلطة الاتهام الأصلية في التشريع الجزائري فهي تحرك الدعوى العمومية ثم تباشرها وتتابع السير فيها أمام المحاكم المختلفة نيابة عن المجتمع حتى ولو حركت من جهة أخرى (المادة 26) وذلك بهدف الكشف عن الحقيقة واقرار سلطة الدولة في العقاب
النيابة العامة لا تملك التصرف أو التنازل عن الدعوى العمومية ولا يقبل الاحتجاج على النيابة العامة بالتنازل أو الموافقة على طلب معين فلها أن تستأنف الحكم في الدعوى العمومية ولو كانت قد أمرت بحفظها أو حتى وافقت على الحكم أو العدول عن أو العدول عن أمر الحفظ ولو لم تظهر أدلة جديدة
كما يلاحظ أن النيابة العامة تملك ما يسمى بسلطة الملائمة أي تقدير ملائمة مباشرة الدعوى العمومية أو حفظها تبعا لما تراه محققا لمصلحة المجتمع وهو ما سنعود إليه
2 النيابة العامة عنصر في تشكيل المحاكم الجزائية و نقصد بها المحاكم المختصة بالفصل في الدعوى العمومية سواء كانت عن جناية أو جنحة أو مخالفة على اختلاف أنواعها ودراجاتها وليست مجرد طرف في الدعوى العمومية ولذلك يبطل الحكم الذي يصدر في جلسة لم يحضرها ممثل النيابة
3 خول المشرع الجزائري النيابة العامة سلطة القيام ببعض الإجراءات التي يختص بها أصلا قاضي التحقيق دون أن تعتبر حينئذ من أعمال التحقيق الابتدائي كاستجواب المتهم في الجنح التي في حالة تلبس والأمر باحضار المتهم بجناية في حالة تلبس
اما اختصاصات النيابة بخلاف الدعاوى العمومية فهي كالتالي:
1 تتولى النيابة العامة تنفيذ احكام القضاء ولها في سبيل ممارسة وظيفتها ان تلجا الى القوة العمومية
2 يتولى وكيل الجمهورية ادارة الضبط القضائي ويشرف النائب العام على ذلك الضبط ولوكيل الجمهورية ان يباشر بنفسه او يامر باتخاذ جميع اجراءات اللازمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات
3 للنيابة العامة حق ابداء الراي في بعض القضايا كتلك المتعلقة بعديمي الاهلية والغائبين ورد القضاة والقضايا الماسة بالنظام العام (مادة 141 من قانون الاجراءات المدنية ) وهو ما يجعلها طرفا منظما في هذه القضايا وليست طرفا اصليا في الدعوى فهي تتولى بحث القضية ومجرد ابداء الراي فيها .
تشكيل النيابة العامة واختصاصات اعضائها:
اعتبر المشرع الجزائري اعضاء النيابة العامة من سلك القضاء وهو ما قرره في مواضع كثيرة منها المادة رقم 1 من القانون الاساسي للقضاء والمادة 33/2 اجراءات ويختلف اختصاص اعضاء النيابة تبعا لدرجتهم على النحو التالي :
1- النائب العام لدى المجلس الاعلى :
هو ممثل النيابة العامة امام المجلس الاعلى اكبر هيئة قضائية في الدولة ويعاونه بعض اعضاء النيابة العامة من مختلف الدرجات الا انه يلاحظ ان النيابة العامة لدى المجلس الاعلى تختلف عن النيابة العامة لدى المجالس القضائية فهي تكون طرفا منضما في الطعون المقامة من النيابة العامة او الافراد ولا يمارس النائب العام لدى المجلس الاعلى الطعن في الاحكام الجزائية الا في الطعن لصالح القانون طبقا للمادة 530 والتماس اعادة النظر عملا بالمادة 531 .
2- النائب العام :
ادا كانت النيابة العامة تباشر الدعوى العمومية باسم المجتمع فان النائب العام بكل ولاية هو ممثل النيابة العامة لدى المجلس القضائي ومجموعة المحاكم (مادة 32 ) فهو صاحب الحق في استعمال الدعوة العمومية ويتعين عليه ان يباشرها بنفسه او يباشرها تحت اشرافه اعضاء النيابة العامة والذين يعتبرون وكلاء عنه في هذا الصدد وهي وكالة مصدرها القانون وللنائب العام فضلا عن ذلك اختصاصات ذاتية ومن هذه الاختصاصات :
- للنائب العام حق استئناف جميع اوامر قاضي التحقيق على ان يبلغ استئنافه للخصوم خلال العشرين يوما التالية لصدور الامر (مادة 171 ) بينما يتعين على وكيل الدولة اذا اراد ذلك الاستئناف ان يقوم به خلال ثلاثة ايام فقط (مادة 170 ) .
- للنائب العام حق استئناف الاحكام الصادرة في الجنح والمخالفات في خلال شهرين اعتبارا من يوم النطق بالحكم (مادة 419 ) بينما يفعل ذلك اعضاء النيابة وسائر الخصوم خلال عشرة ايام (مادة 418 ) .
- يتولى النائب العام تهيئة الجنايات وتقديمها مع طلباته فيها الى غرفة الاتهام لاحالتها الى محكمة الجنايات (مادة 179 ) .
- للنائب العام ان يعيد تقديم الجنايات المحكوم فيها من غرفة الاتهام بعدم وجود وجه للمتابعة الى الغرفة متى ظهرت ادلة جديدة ويطلب من رئيس الغرفة ان يصدر امرا بالقبض على المتهم او ايداعه السجن (مادة 181) .
- للنائب العام ان يطلب من غرفة الاتهام اجراء تحقيقات تكميلية (مادة 186) .
- للنائب العام الى ما قبل افتتاح المرافعة ان يسحب الدعاوي المنظورة امام المحاكم فيما عدا محكمة الجنايات اذا راى ان الوقائع موضوع الدعوى جناية ثم يقوم باعدادها ويقدمها الى غرفة الاتهام مع طلباته (مادة 180) .
3- النائب العام المساعد الأول :
في كل مجلس قضائي يوجد نائب عام مساعد أول ؛ يعاون النائب العام في أداء مهام وظيفته ؛ والقاعدة أن النائب العام المساعد الأول ليس له اختصاصات ينفرد بها ؛ وانما يقوم بمعاونة النائب العام في أداء اختصاصاته كلها ما لم يسمح له النائب العام ببعضها ولكن النائب العام المساعد الأول يتولى كافة اختصاصات النائب العام و يحل محله حال غيابه ولا يملك النائب العام تعديل ما يتخذه من اجراءات في هذه الحالة
4- النواب العامون المساعدون :
ويقومون بمعاونة النائب العام في أداء مهامه و وضيفته فيمثلون النيابة العامة أمام المجلس القضائي وهم بدورهم ليس لهم اختصاصات مستقلة وانما يحدد النائب العام لكل منهم مايمارسه ما يمارسه من المهام .
5- وكيل الجمهرية :
وهو يمثل النائب العام لدى محكمة التي بها مقر عمله؛ ويباشر الدعوى العمومية بدائرة المحكمة نيابة عنه؛ ومن ثم يجب عليه أن يمثل لتوجيهاته؛ والا كان تصرفه المخالف باطلا. وقد بينت المادة 36 من قانون الاجرات مهام وكيل الجمهورية التي تنحصر في تلقي المحاضر والشكاوي والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها؛ ويباشر بنفسه أو يأمر باتخاذ جميع اجراءات البحث و التحري
6- مساعد :
في كل محكمة من المحاكم الواقعة بدائرة المجلس القضائي عضو نيابه أو أكثر بدرجة مساعد يعاون وكيل الجمهورية في أداء مهامه و وضيفته
المطلب الثالث: خصائص النيابة العامة:
للنيابة العامة خصائص معينة تحدد كيفية ادائها لوظيفتها وتنظم علاقة اعضائها ببعضهم وبغيرهم من سلطات الدولة وهي :
1- مبدا التبعية التدريجية :
يحكم اعضاء النيابة مبدا التبعية التدريجية وذلك خلافا لقضاة الحكم الذين لا يخضعون في اداء وظائفهم لغير ضمائرهم ومقتضيات القانون .
فوزير العدل ورغم انه ليس من اعضاء النيابة العامة هو الرئيس الاعلى لها (مادة 6 من القانون الاساسي للقضاء) ويملك تكليف النائب العام بالمجلس القضائي بان يباشر او يعهد بمباشرة متابعات او يحظر الجهات القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات كتابية (مادة 30 ) ومن ذلك تحريك الدعوى العمومية عن جريمة او ابداء طلبات معينة في دعوى قضائية منظورةاو الطعن في حكم صادر فيها او طلب اجراء تحقيق بشان واقعة ما .
ولكن ليس للنائب العام لدى المجلس الاعلى أي سلطة على باقي النواب العاملين للمجالس القضائية وليس لاي منهم سلطة على اقرانه والنائب العام هو راس جهاز النيابة بالمجلس يمتثل لتعليماته جميع اعضاء النيابة بالمجلس او بالمحاكم التابعة له .
2- عدم تجزئة النيابة العامة :
اعضاء النيابة العامة وكلاء للنائب العام ممثل النيابة العامة صاحب الدعوى العمومية فكل ما يؤدونه من اعمال وظيفتهم منسوب الى النيابة العامة باسرها ويتجه الى هدف واحد هو اقرار سلطة الدولة في العقاب ولذالك جاز لكل منهم ان يكمل ما بدأه زميله في حدود كل محكمة أو مجلس قضائي على الأقل فيحرك أحدهم الدعوى العمومية و يحضر اخر الجلسة ويبدي ثالث طلبات النيابة في الدعوى العمومية و في هذا الصدد يختلف اعضاء النيابة عن قضاء الحكم حيث يتعين صدور حكم من قاضي أو قضاة المحكمة الذين حضروا جميع جلسات نظر الدعوى و الا كان الحكم باطلا
3- استقلال النيابة العامة :
المشرع الجزائري يعتبر اعضاء النيابة العامة قضاة ويكفل ذلك استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وهو استقلال ضروري يمليه طبيعة دورها في الخصومة الجنائية وسعيها الى معرفة الحقيقة فضلا على انها تختص في التشريع الجزائري ببعض اجراءات التحقيق الابتدائي وهو عمل قضائي محض يختص به اصلا قاضي التحقيق
أما استقلال النيابة العامة عن قضاء الحكم فهو اكثر رسوخا فرغم اعتبار اعضاء النيابة العامة من رجال القضاء و رغم ان النيابة عنصر اساسيى في كل محكمة جنائية ورغم انها تتولى تنفيذ قرارات القضاء ان كل منهما مستقل عن الآخر بالنظر الى ان النيابة العامة سلطة اتهام القضاء سلطة الحكم او الفصل في هذا الاتهام و يترتب على هذا الاستقلال نتائج منها:
- للنيابة العامة حرية بسط آرائها لدى المحاكم في الدعوى العمومية في حدود ما يقضي به النظام وحقوق الدفاع
- لا يجوز للمحكمة أن تأمر النيابة بتصرف معين كاتهام شخص معين او التنازل عن اتهامه فالاتهام وظيفة النيابة والمحاكمة
- لا يجوز للقضاء ان يلوم النيابة او يعيب عليها تصرف او رأى فذلك انتقاد غير جائز
4- عدم مسؤلية النيابة العامة :
يقصد بذلك ان اعضاء النيابة العامة لا يسالون مدنيا ولا جنائيا عما يتخذونه من إجراءات ماسة بحرية المتهم او بشرفه واعتباره او بحرمة مسكنه كالقبض او الحبس الاحتياطي او توجيه الاتهام او تفتيش مسكن و لو تبين تقدير النيابة فحفظت الدعوى العمومية او قضى فيها بالبراءة
كما انهم لا يسالون عما تتضمنه مرافعاتهم من سب او قذف في حق المتهم و للنيابة ان تطعن في الحكم ولو صدر بناء على طلبها مدامت قد اكتشفت انه غير متفق مع القانون وبعلل ذلك بالرغبة في حث اعضاء النيابة على اداء وضائفهم دون خشية او تردد
الخـــــــاتمــــــــــة
الدعــوى العــمومــية بــوجه عــام هي المطــالبـــة بالحــق عــن طريـــق القضــاء و هــي مطــالبــة النيــابــة العامة باسم المجتمع أمام القضاء بتــوقيــع العــقوبــة علـى المتــهم.
المـــــــراجــــع
كتاب مباديء الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري للكاتب أحمد شوقي الشلقاني
كتاب المباديء الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للدكتور اسحاق ابراهيم منصور