الخميس، 18 سبتمبر 2014

القضاء والصحافة... تكامل أم تنافر؟


إعلاميون وقضاة ناقشوا حدود العلاقة وأوصوا بضرورة توحيد الجهود لإيجاد خطة عمل مشتركة
في كل مرة يلتقي فيها الصحافيون والقضاة على طاولة النقاش، يطرح ذاك السؤال الجوهري حول طبيعة العلاقة بينهما، وما هي أوجه التقارب والاختلاف، وكل واحد يحمل معه العديد من المؤاخذات على الآخر، في غياب تصور واضح وشامل لنوع تلك العلاقة وحدودها، داخل ثنائية الحق في المعلومة والسرية. خلال الدورة التواصلية الثانية لمحكمة النقض التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي بمراكش، واختير لها شعار"ضوابط الخبر الإعلامي: حرية، مهنية ومسؤولية" حاول صحافيون وقضاة الوقوف على ما هي العلاقة وحدودها من وجهة نظر كل واحد منهم، وعرفت الدورة نقاشا حادا بين طرفي العلاقة، في محاولة إيجاد صيغة تعامل خاصة في غياب تأطير قانوني لها.
خطوط حمراء بين السرية والحق في المعلومة يصعب تجاوزها
أكد يوسف الشامي ممثل المديرية  العامة للأمن الوطني،  أنه في  الوقت الذي يسعى فيه رجال الأمن  إلى البحث عن الحقائق والمعلومات ليكتبوا في هامشها العلوي " سري للغاية " مدفوعين إلى ذلك بمبدأ سرية الأبحاث وخصوصية المهام المسندة إليهم، فإن رجال الإعلام يبحثون بدورهم عن الحقائق نفسها والمعلومات ذاتها ليكتبوا عليها جهارا "علني للغاية "، وهاجسهم في ذلك تحقيق السبق الصحافي وإشباع رغبات المواطن الذي يسعى من خلال وسائل الاتصال الجماهيري إلى معرفة الأحداث المستجدة في المجتمع واستيعابها والتفاعل مع تداعياتها ،
هذا التقاطع في الأدوار والأهداف، حسب الشامي أفرز واقعا من المد والجزر، ونوعا من القلق المتبادل بين رجل الأمن ورجل الإعلام وهو ما انعكس سلبا على علاقتهما في جل المجتمعات سواء المتقدمة منها أو السائرة في طريق النمو. وحاول الشامي الوقوف على سبل التكامل في العمل بين الصحافي والأمني، وأوجه الاختلاف، إلا أنه رغم أن مداخلته حملت نوعا من التفاؤل بشأن العلاقة بين الأمني والصحافي، إلا أنه أثار  مجموعة من الانتقادات من الصحافيين الذين اعتبروا  أن حديث المسؤول الأمني عن التحول الذي عرفه  مفهوم تواصل الجهاز الأمني مع المواطنين عبر الصحافيين،  أمام مفهوم جديد، يسمى "الإعلام الأمني" الذي يسعى إلى الانفتاح على مختلف المنابر الإعلامية، بما فيه  خدمة للمصلحة العامة، من أجل تكاثف جميع الجهود للقضاء على الجريمة، هذا المفهوم، به مجموعة من العيوب والاختلالات، من بينها تسريب بعض الأمنيين معطيات لبعض الصحف دون البعض، فضلا عن تماطل مسؤولين أمنيين في الرد على استفسارات الإعلاميين عن مجموعة من الوقائع، مما يخلق علاقة متوترة بين رجال الإعلام ورجال الأمن.
وبعيدا عن حالة التوتر بين الأمني والإعلامي، حاول عبد الرحيم مياد رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط، الإجابة على سؤال محوري خص مسألة تغطية أطوار المحاكمة الذي يعتبر ممارسة حق الحصول على المعلومة، هل هو غير مقيد أم أن الأمر خلاف ذلك؟  وأكد مياد أن
أغلب التشريعات عاقبت الجهة التي تنشر أمورا من شأنها التأثير على القضاة الذين أنيط بهم الفصل في الدعوى المعروضة عليهم، كما عاقبت كل من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا بشأن محاكمة قرر القانون سريتها، أو منعت المحكمة نشرها او تحقيقا قائما في جناية أو جنحة أو وثيقة من وثائق التحقيق أو أخبارا بشأن التحقيقات أو الإجراءات الجارية، و ما يجري في الجلسات العلنية بسوء نية وبغير أمانة، ومخالفة قرار المحكمة المعلن عن سرية ما يجري من تحقيقات في القضية المنظورة أمامها، ما يوقع على عاتق الإعلام الالتزام بالمهنية، وتجنب الخوض في تفاصيل القضايا المطروحة أمام القضاء لتجنب الإرباك والتأثير في مسار العملية القضائية، التي من شأنها المساس بحقوق أطراف القضية، وطرح مياد القيود التي وضعها المشرع المغربي على حق الإعلام في الحصول على المعلومة، وهي حسبه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها تحت طائلة المتابعة والعقاب، كما هو الشأن  بالنسبة إلى الفقرة 3 من المادة 303 من قانون المسطرة الجنائية التي تمنع نشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي حول شخص تجري في حقه مسطرة قضائية بصفته متهما أو ضحية، دون موافقة منه سواء كان معينا باسمه أو بصورته أو يمكن التعرف عليه من إشارات أو رموز استعملت في النشر، وغيرها من القيود التي يعتبرها الصحافي تحد من حرية عمله وتشكل عائقا حقيقيا نحو الوصول إلى المعلومة، ومن ثم يرى مياد "أن التمسك بترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلالها، لا يمكن أن يتصور بانغلاق القضاء كليا على الإعلام، إذا ما نظرنا إلى الجانب الايجابي لدور الإعلام، ونجد من الضروري والمهم وجود تنسيق بين المؤسسة القضائية والإعلامية".
الحق في المعلومة بين السرية وحرية نقل الخبر
بين الحق في المعلومة وسرية البحث والتحقيق، يرى جمال سرحان الوكيل العام لاستئنافية خريبكة، أن الإعلام يمكن له في إطار الحقوق المكفولة له دستورا وقانونا أن يمارس حقه في صياغة ونقل الخبر الإعلامي للجمهور، لكن مع مراعاة الضوابط القانونية المتعلقة بضمان مصلحة المتهم والتحقيق خاصة احترام قرينة البراءة وسرية التحقيق، باعتبار أن العلاقة بين الإعلام والسلطة القضائية عموما‏،‏ يجب أن تكون تكاملية‏، فمن خلالها يستطيع الإعلام نشر معلومات محايدة تتعلق بنشاط المحاكم‏، فتسهم في شفافية أداء القضاء دون التأثير في مجرياته‏، وهو ما يدعو إلي توفير ما يسمى بالإعلام القضائي الذي يجب أن يتسم بالمعرفة الواسعة بالمعلومات القانونية والقضائية‏، وأضاف سرحان ‏الحاجة أصبحت اليوم ماسة أكثر من ذي قبل إلى وجود صحافة قضـــــائيــــــــــــة متخصصة تعمل جنبا إلى جنب مع السلطة القضائية بمختلف مكوناتها في إطار الضوابط القانونية، طالما أن الهدف واحد هو خدمة المواطن ولو اختلفت الوسائل. هذه النظرة الإيجابية في العلاقة بين الصحافة  والقضاء سرعان ما تبددت لدى الصحافيين المشاركين في الدورة بعدما أكد سرحان أنه لا يمكنه الإجابة على تساؤلاتهم، واعتبر البعض منها يمكن أن يكون محل تحفظ أو ليس ضمن صميم المداخلة التي ألقاها، وهي تبريرات لم ترق الحاضرين على اعتبار اللقاء يهدف أساسا إلى المكاشفة التي تهدف إلى توضيح الغموض واللبس في علاقة الإعلامي بالخبر القضائي، لكي يتم تحقيق ما جاء في مداخلته عن قاضي التحقيق والصحافي إذ قال "إنه إذا كان قاضي التحقيق يعمل في صمت ويعتمد عنصر الوقت والسرية لإظهار الحقيقة وتحقيق العدالة الجنائية، فإن الصحافي في بحثه عن الخبر الإعلامي والسبق الصحافي يسابق الزمن ويكسر الصمت لإعلان الخبر للرأي العام، وهو تناقض يؤدي أحيانا بالصحافي إلى الوقوع في أخطاء قانونية قاتلة في حال عدم تحريه المصداقية والموضوعية والأمانة عند صياغة ونقل الخبر إما بنشره أنباء زائفة حول قضية معينة، أو توجيهه السب والقذف في حق أطراف القضية أو مؤسسة التحقيق أو قاضي التحقيق نفسه، أو بنشره لوثائق الاتهام وخرق سرية التحقيق وما يترتب عن ذلك من مساس بحقوق الدفاع وقرينة البراءة".
أما محمد الخضراوي،  رئيس قسم التوثيق والدراسات والتوثيق بمحكمة النقض، ركز على أهمية المقاربة التشاركية التي نهجتها محكمة النقض  عند تناولها موضوعا هاما وهو " كيفية التعامل مع الخبر الإعلامي في مسار أطوار المحاكمة" الذي يكتسي أبعادا حقوقية ودستورية ويتجاوز ما هو قانوني إلى ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي داخل البلد، مضيفا أن محكمة النقض وفي إطار توزيع العمل بين الغرف والأقسام، عمدت إلى جعل قضايا الصحافة من ضمن القضايا التي يبت فيها قسم محدد داخل الغرفة الجنائية مما يساعد على توحيد الاجتهاد وتطويره بما يتلاءم والسياق العام للتطور القانوني والحقوقي بالبلاد، كما كرست محكمة النقض هذه المقاربة الجديدة من خلال خلق مؤسسة قاض مكلف بالتواصل والكل في إطار إستراتيجية تؤمن بقيم الانفتاح والشفافية وتعتمد الحكامة القضائية الجيدة.
كما عمد من خلال مداخلته إلى مناقشة سبعة قرارات حديثة صادرة عن محكمة النقض همت جوانب مسطرية وإشكالات موضوعية تثيرها قضايا الصحافة مثل شكليات الاستدعاء والتبليغ وضمانات حقوق الدفاع وإشكاليات تحديد مرتكب الجرم الصحافي، موضحا أن عملية النقل من منبر إعلامي آخر لا تعفي الناقل من المسؤولية والمتابعة، مضيفا أن نشر الخبر الإعلامي ولو تم بطريقة تتسم بالتعميم، فإنه لا يعفي أيضا من المسؤولية إذا كانت كل القرائن والدلائل توضح شخصية المعني بالخبر.
كما بين كيف تعاملت محكمة النقض بمقاربة حمائية مع موضوع حسن نية الصحافي عند طرحه التساؤلات وأعفته من المسؤولية في حين وضعت حدودا للاعتذار وطريقة نشره.
 خالصا في الأخير إلى أن أغلب القضايا المعروضة على القضاء هي بناءا على شكايات المتضررين وليس بناءا على متابعة من النيابة العامة، مؤكدا على أن محكمة النقض تتشدد في تطبيق القواعد المسطرية المتعلقة بقضايا الصحافة لخصوصيتها وطابعها الحمائي ويتعامل بمرونة مع المفاهيم الأساسية التي تؤطر عمل الإعلامي في إطار من الموازنة بين حق الصحافة في حرية الرأي والتعبير في علاقته بباقي الحقوق والمصالح سواء منها العامة أو الخاصة.
إنجاز: كريمة مصلي (موفدة الصباح إلى مراكش)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق