تعتبر المعاملات المدنية لصيقة بالحياة اليومية للإنسان ، فمند القدم والالتزامات تبرم بين الافراد إما ضمنيا أو شفويا ثم كتابة فيما بعد فكانت المقايضة ثم البيع... وما إلا ذلك . ولم تكن هذه المعاملات تخلوا دائما من النزاع .
وأهمية الاثبات بالكتابة هو موضوع قديم قدم التاريخ ذلك انه تبث مند عهد الرمان ان الناس في اطار معاملاتهم كانوا غالبا يلجئون الى الكتابة والتوثيق ، ولقد أحاط الرمان هذه الوظيفة بمجموعة من الضمانات وهو نفس الشيء بالنسبة للشريعة الاسلامية اذ نصت على مجموعة من الايات التي تبرز محاسن الاثبات بالكتابة بل ترغب وتشجع عليه ومنه قوله تعالى : "يأيها الدين أمنوا إدا تداينتم الى ال مسمى فكتبوه" .
وتعتبر الكتابة في العصر الحديث من ابرز وسائل الاثبات إذا ما تمت مقارنتها بباقي وسائل الاثبات الاخرى المنصوص عليها في الفصل 404 ق ل ع وهي إقرار الخصم ، شهادة الشهود والقرينة ، اليمين والنكول عنها . وعليه يمكن القول ان الكتابة تعتبراهم واقوى طرق الاثبات بالمعنى الحقيقي ، فهي لها قوة مطلقة وتصلح للإثبات جميع الوقائع القانونية ، سواء كانت تصرفات قانونية او اعمال مادية .
ومن هنا تظهر اهمية الكتابة التي جعلت المشرع المغربي يضعها في المقام الثاني ضمن وسائل الاثبات المقررة بمقتضى الفصل 404 ق ل ع .
فإذا كانت الكتابة المتطلبة هي الكتابة الرسمية فإننا نكون امام ورقة رسمية التي نص عليها المشرع المغربي في القوانين العامة المتمثل في قانون الالتزامات والعقود والقوانين الخاصة المتمثلة في قانوني التوثيق العدلي والعصري .
وللموضوع أهمية بالغة سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي.
أما الأهمية النظرية للموضوع فتتجلى في الاهتمام المبكر للمشرع المغربي بالرسمية ومجالها سواء ضمن القواعد العامة اي قانون الالتزامات والعقود أو ضمن القواعد الخاصة المتمثل في قانون 09/32 المتعلق بمهنة التوثيق العصري وقانون 03/16 المتعلق بخطة العدالة .
أما فيما يخص الأهمية العملية فتبرز أساسا في الدور الذي تلعبه الرسمية في تحقيق الامن القانوني والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال إثبات التصرفات وحفظ الحقوق وضمان استقرار المعاملات بين الأفراد .
ويقتضي تحليل هذا الموضوع طرح مجموعة من الاشكاليات الجوهرية تتمثل في:
- ما المقصود بالوثيقة الرسمية ؟ وما هي شروطها؟
- ما هي الشروط الشكلية المتطلبة في كل من المحرر العصري والعدلي و الالكتروني لإضفاء الرسمية ؟
- وما هي القيمة القانونية للوثيقة الرسمية من حيت الاثبات و التنفيذ؟
- كيف يمكن الطعن بالزور في الوثيقة الرسمية ؟ وما هي الآثار المترتبة عنها؟
المبحث الأول : التنظيم القانوني للوثيقة الرسمية
المبحث الثاني : حجية الوثيقة الرسمية والطعن فيها بالزور
المبحث الأول : التنظيم القانوني للوثيقة الرسمية
لقد كانت الإتفاقيات والتصرفات تتم بشكل عام عبر مرحلتين هما :
المرحلة الشفوية : وكانت تبرم فيها الإتفاقيات بمحضر الشهود أو القيام ببعض الممارسات التي تبقى راسخة في الأذهان، ثم بعد ذلك المرحلة الكتابية : التي شكلت وسيلة للإثبات . نظرا لما توفره من ضمانات .
ولقد عرف المغرب الرسمية، في قانون الإلتزامات والعقود ، والرسمية كصفة لصيقة بالمحررات التوثيقية اختيارية ، إذ يمكن للأطراف المتعاقدة أن توثق تصرفها إما وفق الشكل الرسمي أو العرفي [1].
ويظهر تعريف الورقة الرسمية وشروطها من خلال المادة 418 من قانون الإلتزامات والعقود التي جاءت تقضي بأنه : ( الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون ...)
وللإحاطة بالتنظيم القانوني للوثيقة الرسمية ، سنتطرق لوسائل الإثبات في قانون الإلتزامات والعقود المغربي في ( المطلب الأول) ، على أن نتعرض لشكلية الكتابة الورقية والرقمية في ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : وسائل الإثبات في قانون الإلتزامات والعقود المغربي :
سنتعرض لقواعد الإثبات في قانون الإلتزامات والعقود المغربي في (الفقرة الأولى)، على أن نتطرق لتعريف الوثيقة الرسمية وشروطها في ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : قواعد الإثبات
طرق الإثبات في التشريع المغربي هو الإقرار والكتابة وشهادة الشهود والقرائن واليمين والنكول عنها ، طبقا لمقتضيات ( المادة 404 من قانون ل و ع م) ، فطرق الإثبات هي إقامة الدليل أمام القضاء بالطريقة التي يحددها القانون على وجود حق متنازع فيه [2].
- الإقرار :
والإقرار نوعان : إما إقرار قضائي، وقد عرفه ( الفصل 405 من ق .ل.ع) بأنه اعتراف الخصم أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، ويتم أمام القضاء أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة سواء أثناء الإستجواب في الجلسة أو ضمن المذكرات المتبادلة أو من خلال مستندات القضية . أو إقرار غير قضائي : وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل ( 407) بأنه ذلك الإقرار الذي لا يقوم به الخصم أمام القاضي، دون تحديد كيفية حصوله وإنما نص فقط على أنه يمكن أن ينتج من كل فعل يحصل منه وهو مناف لما يدعيه [3] . كما يستخلص من الفصل 410 أن للإقرار حجية قاطعة على المقروورثته باعتبارهم خلفا عاما ولا يتعدى إلى غير ذلك .
ومع ذلك فإنه يتعين على القاضي ألا ينظر إلى الإعتراف على أنه حجة مطلقة وبينة تامة ، وإنما يجب تقصي الظروف والملابسات التي صاحبت هذا الإعتراف .
- الحجة الكتابية
والكتابة كأداة إثبات إما رسمية أو عرفية ، وقد نظم المشرع أحكامها في قانون الإلتزامات والعقود في الفصول من ( 416 إلى 442 ) ، كما نظم إجراءات وطرق كتابة الوثائق الرسمية عند الموثقين العصريين في قانون 32.09 وعند العدول في قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة. وهذا ما سنتطرق إليه في ( الفقرة الثانية) .
- شهادة الشهود :
وإذا كان الإثبات بشهادة الشهود جائزا ، فإنه يبقى للقاضي مع ذلك السلطة التقديرية الواسعة لقبولها أوردها .
وعليه ، فإن الشهادة ليست حجة مقنعة فحسب ، ( أي غير ملزمة ) بل هي أيضا غير قاطعة بعكس الإقرار واليمين . ولكنها حجة متعدية ، أي أن ما يثبت بها من وقائع يعتبر ثابتا لا على من أقيمت في مواجهته فحسب ، بل أيضا بالنسبة إلى جميع من يتأثر بالحكم الذي صدر في الدعوى [5].
- القرائن
وهكذا يبدو أن القرائن نوعان :
قرائن قانونية : وهي ما يستنبطه المشرع من واقعة معلومة يحددها للدلالة على أمر مجهول ينص عليه. اضافة الى ذلك، أن من يريد الاستفادة من حكم قرينة قانونية، فانه يكتفي باقامة الدليل على توافر الواقعة التي يشترط القانون قيامها لانطباق حكم هذه القرينة.
قرائن قضائية : وتقوم على عنصرين اثنين : واقعة ثابتة يختارها القاضي من بين وقائع الدعوى. واستنباط الواقعة المراد إثباتها من الواقعة الثابتة .
ويمكن القول أنه مهما قيل عن القرائن القضائية من أنها يقوم على الإحتمال والترجيح، فإن أهميتها العملية كبيرة . وهذا يرجع إلى تعذر الإثبات المباشر في أغلب الحالات ، وإلى ما للقاضي من سلطة كبيرة في الأخذ بالقرائن [6].
- اليمين والنكول عنها :
ويمكن القول أن اليمين هو طريق غير عادي للإثبات ، وأن الإلتجاء إليها لا يحصل إلا نادرا، وذلك عند تعذر تقديم الدليل من وسائل الإثبات الأخرى ، أو عدم كافية ما قدم منها لإقناع القاضي [7].
وانطلاقا مما سبق ، يمكن القول أن الكتابة تعد من وسائل الإثبات الهامة ، لما توفره للخصوم مم ضمانات لا توفرها لهم غيرها من الأدلة . لذلك ارتأينا التطرق لتعريف الوثيقة الرسمية وشروطها في ( الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية : تعريف الوثيقة الرسمية وشروطها.
لقد عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية من خلال مقتضيات الفصل 418 من قانون الإلتزامات والعقود ، إذ نص على ما يلي : ( الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون) .
وتكون رسمية أيضا :
- الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم .
- الأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية والأجنبية ، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها) ويتضح من هذا النص ، أن وصف الورقة بالرسمية هو نتيجة لتحريرها بمعرفة شخص له صفة رسمية. ( موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة له صلاحية التوثيق ) [8].
وهكذا يشترط لكي تكسب الورقة صفة الرسمية طبقا للفصل 418 من قانون الإلتزامات والعقود ثلاثة شروط هي :
أ – أن يقوم بكتابة الورقة موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة :
ولا يشترط أن يكون من موظفي الدولة بالذات ، بل يكفي أن يكون موظفا بإحدى الهيئات التابعة لها ، كما هو الحال بالنسبة لموظفي المجالس البلدية والمؤسسات العمومية ذات الشخصية المستقلة ، ويتنوع الموظفون العامون ، بتنوع الأوراق الرسمية ، فالموظف الذي يقوم بتحرير التصرفات القانونية هو الموثق والموظف الذي يقوم بكتابة الأحكام هو القاضي والموظف الذي يساعد القاضي في مهمته هو كاتب الضبط .
ب – أن يكون الموظف الذي قام بتحرير الورقة مختصا بتحريرها وله صلاحية التوثيق:
إذ لا يكفي لصحة الورقة الرسمية أن يقوم بتحريرها موظف عمومي ، بل يجب فوق ذلك أن يكون هذا الموظف مختصا بكتابتها وله صلاحية التوثيق . ويكون الموظف مختصا بكتابة الورقة إذا كان ذلك مما يدخل في عمله من حيث طبيعة الورقة ومن حيث مكانها .[10]
وألا يوجد مانع قانوني يحول دون مباشرته لعمله ، بحيث إذا نزع منه الإختصاص وقت تحرير الورقة وهو عالم بذلك كانت الورقة المحررة باطلة والعكس صحيح.
أما ما يتعلق بطبيعة الورقة ، فيجب أن يكون الموظف العام أو الشخص الذي له صلاحية التوثيق مختصا بتحرير الورقة وأن يكون هذا التحرير مما يدخل في عمله من حيث نوع الورقة . ذلك أن كل نوع من الأوراق الرسمية إنما يختص بتوثيقه طائفة معينة من الأشخاص والموظفين ، فالأحكام يصدرها القضاة ، والأوراق الرسمية الخاصة بالمعاملات والتصرفات المدنية والتجارية يختص بتحريرها الموثقون والعدول .
أما فيما يتعلق بمكان تحرير الورقة فيرجع إلى أن الموظف المختص بتحرير الورقة لا يعتبر كذلك إلا إذا كان ذا إختصاص مكاني في تحريرها .
ج – أن يراعي الموظف الشكل الذي حدده القانون في تحرير الورقة ، وهو يختلف بحسب أنواع الأوراق الرسمية وطبيعتها : ومؤدى ذلك أن تكون الورقة مستكملة لكل البيانات والأشكال التي أوجب القانون توافرها فيها ، وتظهر أهمية هذا الشرط بصفة خاصة في الأوراق التي يقضي القانون بتوثيقها أمام الموثق ، إذ يتطلب شكلا خاصا وتدون فيها بيانات معينة ، حتى تترتب عليها الآثار القانونية ، ويصبح حجة على الناس كافة [11].
ونجد القانون يستلزم أوضاعا يجب مراعاتها في تحرير الأوراق الموثقة أو العقود الرسمية ، ومنها أن تكون الورقة مكتوبة بلغة معينة وبخط واضح دون إضافة أو كشط .
ويمكن القول أن تخلف أحد هذه الشروط يجعل الورقة باطلة باعتبارها ورقة رسمية.
كما يمكن التمييز بين الورقة الرسمية والورقة العرفية ، في كون هذه الأخيرة ، تحرر من قبل الأطراف أنفسهم أو بواسطة الكاتب العمومي أو بعض الهيئات الموكول لها تحرير العقد عرفيا .
وهكذا نجد الفصل 423 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي ينص على ما يلي : (الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية ، بسبب عدم إختصاص أو عدم أهلية الموظف، أو بسبب عيب في الشكل ، تصلح لإعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الأطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة).
وفي هذا الصدد ، تجدر الإشارة إلى أن جانبا من الفقه ذهب إلى القول بأن الوثيقة العرفية هي كل وثيقة يقوم بتحريرها من لهم مصلحة فيها من غير تدخل الموظف العمومي أو من له صلاحية التوثيق بهذه الصفة .
لأجل ذلك فالعقد العرفي هو عقد غير رسمي ، لم يتدخل في تحريره موظف ما بحكم وظيفته .
بعد التطرق لوسائل الاثبات في قانون الالتزامات والعقود المغربي، سنتناول شكلية الكتابة الورقية والرقمية، وهذا ما سنتطرق اليه في( المطلب الثاني).
المطلب الثاني : شكلية الكتابة الورقية والرقمية
تكتسي الكتابة أهمية بالغة على مستوى المعاملات التعاقدية ذلك أن الدليل الكتابي يعتبر بمثابة وسيلة إثبات لم تم الإتفاق عليه بين الأطراف. وتكون هذه الكتابة إما خطية أو مطبوعة كما قد تكون الكتابة بالمداد والرصاص أو برموز خاصة وقد تطورت هذه الأخيرة- الكتابة - مع التطور الحاصل في وسائل الإتصال الحديثة الشيء الذي سيؤدي إلى دحضي الكتابة التقليدية بشكل نسبي وظهور ما يعرف بالكتابة الرقمية التي تتم على جهاز الكمبيوتر ، وأمام هذا التطور الحاصل في الكتابة تغير الإعتقاد الذي كان سائدا لدى رجال القانون في أن الوثيقة تكون في شكل ملموس لا غير وسنقوم في هذا المطلب بتحليل الشكليات المتطلبة في المحررات العدلية والعصرية ( فقرة أولى) المحررات الإلكترونية ( فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : شكلية الكتابة الورقة
تعتبر كل من الوثيقة العدلية والعصرية دليل كتابي غاية هذا الدليل هو توطيد السلامة والإستقرار في التعامل كما يهدف إلى دفع الغش بقدر المستطاع بين الأطراف المتعاقدة وللوصول إلى هذه الغاية لا بد لكل من الوثيقة العدلية والعصرية من شروط شكلية حتى تكون لها صفة الرسمية وبالتالي تكتسي حجة قوية تجاه الأطراف والأغيار . ولتحليل هذه الفقرة الى نقطتين ( اولا) شكلية المحررات العدلية ( ثانيا ) شكلية المحررات العصرية .
اولا : شكلية المحررات العدلية
يتميز التوثيق العدلي بعدة خصائص عن نظيره التوثيق العصري ذلك أن التوثيق العدلي يعتبر نظاما قانونيا وضعيا وذو مرجعية دينية كما يمتاز بنظام التلقي المزدوج .
ولقد فرض قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة شروط شكلية يجب أن تتوفرعليها الوثيقة العدلية حتى تكون صحيحة وبالتالي تكتسي صفة الرسمية وبالرجوع إلى الفصل 33 من قانون 16.03 نجده ينص على أن "تكتب الشهادة تحت مسؤولية العدلين في وثيقة واحدة دون إنقطاع أو بياض أو بتر أو إصلاح أو إقتحام أو إلحاق أو تشطيب أو إستعمال حرف إضراب ... تذييل الوثيقة بتوقع عدليها مقرونا باسميهما مع التنصيص دائما على تاريخ التحرير ..."
وبقراءة متأنية لهذا الفصل نجد ه ينص على الشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر عليها الوثيقة العدلية وذلك أن هاته الأخيرة تكتب تحت مسؤولية العدلين وتتمثل الشروط في :
- كتابة الشهادة في وثيقة واحدة دون إنقطاع أو بياض او بتراوإصلاح أو إقحام أو إلحاق أو تشطيب أو إستعمال حرف إضراب .
- أن يتم تذييل الوثيقة العدلية بتوقيع عدليها مقرونا باسمهما الشخصي والعائلي . كما يجب التنصيص على تاريخ التحرير .
كما يجب على الشاهد الموثق أن يبين الموضوع الذي وقع عليه الإشهاد فيبين نوع المعاملة من زواج أو بيع أو صلح ...
ويشترط أن تشتمل الشهادة الهوية الكاملة للمشهود عليه وحقه في التصرف في المشهود فيه... وكونه يتمتع بالأهلية القانونية لهذا التصرف " المادة 31 من قانون 16.03 [12].
وبعد توفر هذه الشروط يجب أن يتم تقديم الوثيقة إلى القاضي المكلف بالثوتيق بقصد مراقبتها والخطاب عليها . هذا الخطاب الذي لا يتم إلا بعد التأكد من خلو الوثيقة من أي نقص وسلامتها من الخلل .
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة تخلف خطاب القاضي على الوثيقة للوفاة أو الإنتقال أو فقد الأهلية أو عاق العدل أي عائق أخر عن الأداء بعد تلقيه الشهادة بصفة قانونية وإثباتها في مذكرة الحفظ كلف القابض المكلف بالتوثيق – بناءا على طلب يقدم اليه من ذوي المصلحة – عدلين للتعريف به مع إدراج نص ضمن شهادة التعريف ثم يحرر رسم ذلك . ويعتبر رسم التعريف بعد الخطاب عليه بمثابة اصل. هذا بالنسبة للشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر عليها الوثيقة العدلية فما هي الشروط الشكلية التي يجب أن تتوفر عليها الوثيقة العصرية ثانيا.
ثانيا: الشروط الشكلية للوثيقة العصرية
لكي يتم إضفاء الصبغة الرسمية على الوثيقة يجب أن تكون مستجمعة للشروط المنصوص عليها في قانون رقم 32.09 .
وبالرجوع إلى مقتضيات هذا القانون نجده يشير إلى أوضاع تتعلق بمضمون الوثيقة وأوضاع تتعلق بأشخاص الوثيقة من موثق وأطراف وشهود . وحدد شروطها لضمان أهلية الموثق وحياده ومجال تخصصه النوعي والترابي ومن هذه الشكليات التي اشترطها هذا القانون ما يجب أن يتم تحديده بدقة ووضوح في صلب الوثيقة كذكر الأسماء الكاملة للأطراف وباقي الموقعين على العقد إذا لا يسمح باختصارها مع ذكر موطنهم وتاريخ ومكان ازديادهم . وجنسيتهم ، أي بشكل عام جميع البيانات المحددة لهويتهم وصفاتهم مع تحديد أركان وشروط العقد ومحله وذكر جميع الوثائق المستند عليها في إبرام العقد ، مع كتابه المبالغ المالية أرقاما وحروفا حسب ما نصت عليه المادة 36 كما يجب أن يكون المستند التوثيقي محررا تحت مسؤولية الموثق دون بتر أو إقحام أو إلحاق أو تشطيب ويجب أن تحرر الوثيقة باللغة العربية إلا إذا اختار الأطراف تحريرها بلغة أخرى طبقا للمادة 42 من قانون 32.09 كما نص هذا القانون على وجوب تذليل العقود بالأسماء الكاملة وتوقيعات الأطراف والترجمان والشهود إن وجدوا ثم الموثق مع خاتمه والذي يجب أن يوقع العقد فور أخر توقيع للأطراف حتى تضمن بذلك هذه الوثيقة صفتها الرسمية وتكتسب بالتالي حجيتها القانونية وان انتفاء احد هذه الشروط سيكون له تأثير بلا شك على قيمة هذه الوثيقة قانونا [13] .
إن بتوفر الشروط الشكلية في كل من الوثيقة العدلية والعصرية المنصوص عليها في القوانين المنظمة للوثيقتين يمكن أن نتحدث عن إضفاء الرسمية للوثيقتين وبالتالي تمتعهما بقوة الإثبات والتنفيذ تجاه الأطراف والأغيار.
والى جانب هذه المحررات التي لاتتمتع بالرسمية الابتوفر شروط فالمشرع المغربي في مادة الإلتزامات والعقود الزم الشكلية في بيع العقارات والحقوق العقارية إذ الفصل 489 في القانون المذكور أعلاه ينص على ما يلي " إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون " لكن هذا الفصل كان مثار جدل بين رجال الفقه والقانون حول العبارة الواردة فيه وهي وجب أن يجري البيع" كتابة " والتي كانت توجب أن يتم البيع العقاري في محرر كتابي لكن الإشكال تجلى في سكوت المشرع عند عبارة " كتابة " ولم يحدد المقصود بها مما ترك المجال واسعا لكل الجهات المختصة وغير المختصة وكانت النتيجة كثرة الإشكالات والمشاكل التي يثيرها العقودالمحررة من طرف غير المهنيين او ما يعرف بالعقود العرفية على حقوق الناس . لكن وتكريسا لمبدأ الأمن القانوني أصدر المشرع في العقد الأخير عدة قوانين توجب على بعض المعاملات العقارية ان تكون في قالب رسمي ومن بين هذه القوانين 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة وقانون 51.00 المتعلق بالكراء المفضي إلى تملك العقار .
لكن المشرع قد حسم كل هذا الجدال بصدور مدونة الحقوق العينية ( قانون 39.08) حيث جاء في المادة 4 منه على أن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي ثابت التاريخ [14]
وانطلاقا من المادة المذكورة أعلاه يتضح أن المشرع قد تدخل لحسم الإشكالات والخلافات المثارة أمام المحاكم بشأن إثبات بعض التصرفات حيث استوجب ضرورة إبرامها في محرر رسمي أو ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض ، وكان ذلك أيضا من أجل القضاء على إزدواجية المحررات وخلق جو من الثقة والإئتمان لدى المتعاملين وحماية حقوق أطراف العلاقة التوثيقية والأغيار ودعم مبدأ مسؤولية محرر العقد .[15] وإلى جانب هذا فإن هناك حقوق تتمتع بالرسمية بتوفرها على الشروط المذكورة في القانون ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الهبة الصدقة الرهن الحيازي الزواج الوكالة ...
الفقرة الثانية : شكلية الورقة الرقمية
بقراءة متأنية للفصل 417 نجده عرف الكتابة فجعل مدلولها واسعا جدا يكون جامعا وقابلا للتطبيق على كل أنواع الكتابة وبناءا على هذا الفصل فالكتابة الإلكترونية هي مجموعة من الإشارات أو الرموز والمقصود بها كافة الطرق الغير الأبجدية التي تعبر عن الفكر ويفهمها العقل البشري .
كالإشارات المستخدمة في ذاكرة الحاسب الآلي ، والرموز الموجودة [16] على القرص الممغنط (cd) ويحتوي المحرر الإلكتروني على عنصر يعتبر من أهم العناصر التي يجب أن يتوفر عليها هذا المحرر ويتجلى هذا الأخير في التوقيع ويعرف التوقيع على أنه إشارة للتعبير عن الإرادة لا يشترط فيها أن تكون مقروءة بل يمكن أن تكتسب رموزا أو أرقام أو بشكل إسم صريح .
ويثار إشكال يتجلى في الوسيلة التي يجب أن يجرى بها التوقيع وهل هناك وسيلة واحدة لإجرائه ام هناك وسائل متعددة ؟
لقد اعتبرت نصوص الإثبات المضمنة بظهير الإلتزامات والعقود التوقيع ضروريا للتدليل على الإرادة الحرة والعلم التام بمضمون المحرر الموقع يأخذ التوقيع الإلكتروني عدة مظاهر وفي :
التوقيع بالقلم الإلكتروني : يتم هذا التوقيع باستخدام قلم إلكتروني بواسطة الكتابة على شاشة الحاسوب مباشرة عن طريق إستخدام برنامج معين إذ يقوم هذا البرنامج بوظيفتين أساسيتين هما : وظيفة التقاط التوقيع وظيفة التحقق من التوقيع.
- التوقيع باستخدام الخواص الذاتية ( البيومتري)
- التوقيع بواسطة الرقم السري والبطاقة الممغنطة
التوقيع الرقمي : من المظاهر الأخرى للتوقيع الإلكتروني التي تستخدم في إبرام التصرفات القانونية عير الوسائط الإلكترونية خاصة تلك المعاملات التي تتم عبر شبكة الإتصال الحديثة "الإنترنيت " التوقيع الرقمية لقد ارتبط التوقيع باعتباره دليلا للإثبات بالكتابة أي بالدليل الكتابي أو المكتوب لذلك يتعين لإسباغ الحجية القانونية على التوقيع الإلكتروني أن تتوفر الرسالة أو المستند المراد التصديقه شروط الدليل المكتوب باعتباره وسيلة للتوثيق، وذلك بالإضافة إلى الشروط التي يجب توافرها في التوقيع ذاته والتي تمكنه من أداء وظيفته وتحديد شخصية الموقع وإقرار بمضمون المحرر ونسبه إلى الموقع ويمكن رد الشروط التي يلزم توافرها لتحقق الدليل الكتابي إلى ثلاثة شروط أساسية وهي:[17].
- إمكانية قراءة الدليل : وهو شرط متحقق في المستندات الإلكترونية ، إذ لا يشترط أن يتم قراءة الدليل من الإنسان مباشرة ، بل يمكن أن تتحقق القراءة عن طريق غير مباشرة باستخدام الحاسب الألي .
- استمرار الدليل : وهذا الشرط متحقق بدوره في المستندات الإلكترونية منذ أن تم استخدام وسائل إلكترونية متطورة يتحقق فيها عنصر الثبات والإستمرار بالنسبة للمعلومات التي تحتويها .
- عدم قابلية الدليل لتعديل : وهو أيضا متحقق في المستندات الإلكترونية بعد أن أفرز التقدم التقني وسائط إلكترونية تتميز بثبات محتوياتها وما تتضمنه من بيانات ومعلومات ليس من السهل التلاعب فيها .
المبحث الثاني : حجية الوثيقة الرسمية والطعن فيها بالزور
إن استجماع الوثيقة التي يحررها الموثق العصري لشروطها الشكلية يضفي عليها الصبغة الرسمية وما لذلك من تأثير على حجيتها الثبوتية من حيث الإثبات والتنفيذ (المطلب الاول)، وتعتبر الوثيقة الرسمية حجة على الأطراف وعلى الغير ما لم يطعن فيها بالتزوير أو يقم الدليل على خلاف ما هو ثابت فيها مما يرتب مجموعة من الآثار (المطلب الثاني) .
المطلب الاول : حجية الوثيقة الرسمية :
تكتسي الوثيقة الرسمية قيمتها القانونية وحجيتها في الاثبات وذلك فيما دون فيها من أمور قام بها الموثق في حدود مهمته او وقعت من ذوي الشأن في حضوره ( فقرة اولى) كما تمنح هذه الوثيقة حجية إضافية من خلال التنفيذ ( فقرة ثانية).
الفقرة الاولى : حجية الوثيقة الرسمية في الاثبات :
الورقة الرسمية تعتبر حجة ودليلا قاطعا طبقا للفصل 419 ق ل ع وذلك من خلال حصول التعاقد الثابت فيها ، حيث يستطيع أحد الطرفين ان ينكر شيئا مما جاء بها لا من حيث التوقيعات الموقع بها عليها ولا من حيث محتوياتها ، ولا من حيث حصولها اما الموظف المحرر لها إلا بالادعاء بحصول تزوير فيها[18] .
وبالرجوع الى قانون 09/32 المنظم لمهنة التوثيق العصري في مادته 35 نجده ينص على انه " يتلقى الموثق ما لم ينص القانون على خلاف ذلك العقود التي يفرض القانون إعطائها الصبغة الرسمية المرتبطة بأعمال السلطة العمومية أو التي يرغب الاطراف في إضفاء هدا الطابع عليها ويقوم بإثبات تريخها وضمان حفظ أصولها وبتسليم نظائر ونسخ منها" . وتنص المادة 48 من نفس القانون على انه "تكون للعقود والمحررات التي ينجزها الموثق وفق لمقتضيات هذا القانون الصبغة الرسمية المقررة في ق ل ع ".
كما أتى ق 09/32 على ذكر الشروط المتطلبة في تحرير الوثيقة العصرية لتكتسي صفة الرسمية في المواد 36 الى 49 ، ويترتب على الاخلال بأحكام هذه المواد البطلان بصريح المواد 49 والتي تنص على أنه "يكون باطلا كل عقد ثم تلقيه وفق للشكل الرسمي. وأنجز خلافا لأحكام المواد 30 31 32 37 39 40 ، من هذا القانون إذا كان غير مذيل بتوقيع كافة الاطراف وإذا كان يحمل توقيع كل الاطراف تكون له فقط قيمة العقد العرفي" .
لذلك تكون للورقة الرسمية حجية في الاثبات حثى يطعن فيها بالتزوير، وذلك فيما دون فيها من أمور قام بها الموثق في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره، فهناك إذن طائفتان من البيانات لهما هذه الحجية : بيانات عن الأمور التي قام بها الموثق في حدود مهمته وبيانات عن أمور وقعت من ذوي الشأن في حضوره.
أما الأمور التي قام بها الموثق في حدود مهمته وبينها في الوثيقة الرسمية التي وقعها فكثيرة وهي البيانات العامة التي سبق أن تم عرضها فيما يخص شكلية المحرر العصري. أما البيانات عن الأمور التي وقعت من ذوي الشأن في حضوره فأكثرها يتعلق بموضوع الوثيقة الرسمية التي قام بتوثيقها، أي البيانات الخاصة بهذه الوثيقة بالذات فإن كان الموضوع بيعا فإن الموثق يثبت في الورقة أن البائع قرر أن يبيع والمشتري قرر أن يشتري كل بالشروط التي دونت في الورقة.
كل هذه البيانات التي وقعت من ذوي الشأن في حضور الموثق وأثبتها في الورقة بعد أن ادركها بالسمع والبصر تكون له حجية في الاثبات إلى أن يطعن فيها بالتزوير[19].
فصفة الوثيقة الرسمية لا تأتي إلا إذا استجمعت كافة شروط تحرير الوثائق المنصوص عليها في قانون 09/32 المنظم لمهنة التوثيق. وفقدان هذه الشروط يحجب عن المحرر هذه الصفة ويتحول بالتالي إلى محرر عرفي طبقا للقواعد العامة التي تقضي بتحول التصرف الباطل إلى تصرف صحيح متى توفرت فيه أركان وشروط صحته ، وهو الاتجاه الذي كرسه المشرع في الفصل 423 ق ل ع عندما نص على أن "الورقة التي لا تصلح لأن تكون رسمية بسبب عدم اختصاص او عدم أهلية الموظف أو بسبب عيب في الشكل تصلح لاعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الاطراف الذين يلزم رضاهما لصحة الورقة".
وإلى جانب الوثيقة الرسمية التي يحررها الموثق العصري فإن الوثيقة العدلية تعتبر دليلا كتابيا وورقة رسمية وحجية قاطعة بقوة القانون فكل عقد أو اتفاق أو التزام تلقاه العدلان من المشهود عليهم وأدرج بمذكرة الحفظ وخاطب عليه عليه القاضي بعد تحريره وتضمينه بكناش المحكمة اعتبر وثيقة تامة كاملة صالحة للاستعمال قابلة للاحتجاج ضد الغير لا تزاحمها في قوتها الاثباتية أي وثيقة اخرى كيفما كان نوعها فلا فرق من الناحية القانونية بين الوثيقة العدلية ووثيقة الموثق العصري، بل يجدر التنبيه على أن التفويت المتعلق بالعقار غير المحفظ إذا حرره الموثق يعتبر مجرد محرر عرفي لا يرقى إلى مستوى الوثيقة الرسمية، في حين أن هذا التفويت إذا حرره العدلان يعتبر وثيقة رسمية تامة ، وهذا امتياز انفردت به الوثيقة العدلية دون غيرها من الوثائق الرسمية[20]، حيث جاء في احدى قرارات محكمة النقض على أنه "يعتبر الرسم العدلي الذي يشهد فيه العدلان بأتمية المشهود عليه حجة رسمية... ويعتبر اللفيف من حيث الشكل ورقة رسمية ..." [21]
والقاعدة العامة تقضي بأن الورقة الرسمية حجة على الناس كافة كما سبق القول فهي إذن بما جاء فيها لا على أصحاب الشأن وحدهم بل هي ايضا على الغير الى حد الطعن بالتزوير.
وحجية الورقة الرسمية بالنسبة الى الغير كحجيتها فيما بين الطرفين لا تمنع الغير من انكار صحة الوقائع التي أثبتها الموثق في ذاتها دون ان يتعرض في دلك لأمانة الموثق او صدقه ولا يحتاج في دلك الى الطعن بالتزوير بل يكفي ان يقيم الدليل على العكس بالطرق المقررة قانونا .
وبالنسبة للنسخ المأخوذة عن المحررات الخاصة او العامة فلها نفس القوة الثبوتية التي لأصولها طبقا للفصل 441 ق ل ع ، وينص الفصل 50 من قانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق العصري على ما يلي : " يجب على الموثق أن يحفظ تحت مسؤولية أصول العقود والوثائق الملحقة بها وصور الوثائق التي تثبت هوية الأطراف، وتنص الفقرة 1 من المادة 55 أنه : "يجب على الموثق أن يسلم نسخة لكل واحد من الأطراف والفرق بين أصل المحرر ونسخته هو أن الأول يتضمن توقيعات الأطراف والشهود والموثق بينما تتضمن صورة الوثيقة توقيع هذا الاخير فقط. وقد كانت غاية المشرع من خلال الزام الموثق والعدل بالمحافظة على أصل الاتفاق هو جعل أصول المحررات في مأمن من كل ضياع أو تلف.
ومن أكثر المواضيع اثارة للجدل القانوني في الوقت الحاضر هي الوثائق المتبادلة الكترونيا والتي تثير العديد من التحديات القانونية خصوصا فيما يتعلق بالإثبات.
بالرجوع إلى الفصل417/ 3 من ق ل ع نجده يعتبر أنه تتمتع كل وثيقة مذيلة بتوقيع الكتروني مؤمن والمختومة زمنيا بنفس قوة الاثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ تابت.
ومنه فقد أصبحت المحررات الالكترونية حقيقة قائمة يستحيل تجاهلها في ابرام التصرفات ألقانونية فقد أقرت التشريعات التي نظمت الاثبات الالكتروني في صحة محررات المدونة على الورق هذا يعني ان المحررات الالكترونية وما تتضمنه من بيانات لا تفقد اثارها القانوني لأنها صبغت بشكل الكتروني لذا وفي حالة أن نشب نزاع بين الاطراف ووجب الرجوع إلى المحررات لفض النزاع فإنه يجب غض النظر عن شكل الكتابة أو التوقيع أو الدعامة التي نظم عليها التصرف ، فمع وجود التشريعات التي أقرت الكتابة والتوقيع والمحررات الإلكترونية أصبح القاضي ملزما بالاستعانة بهما وعله فض النزاع تأسيسا على الادلة المقدمة[22].
ولعل الحجية القانونية التي تتمتع بها المحررات الالكترونية وتوقيعهما في الاثبات نابع من الدور الهام الذي تلعبه هذه الشهادات فلولاها ما كانت لهذه الوثائق أية حجية في اثبات الحقوق ولن يتم التعامل بها من طرف الأحد لأنها محفوفة أصلا بالمخاطر[23].
ومن أجل اكمال الاعتراف بوسائل الاثبات في الشكل ألالكتروني ، فان الامر ينطبق ايضا على نسخ الوثائق الالكترونية حيث أقر لها المشرع صفة الاثبات في الفصل 440 ق ل ع الذي نص على أنه "تقبل للإثبات نسخ الوثيقة القانونية المعدة بشكل الكتروني حتى ولو كانت الوثيقة مستوفية للشروط المشار إليها في الفصلين 1\417 و2/417 وكانت وسيلة حفظ الوثيقة تتيح لكل طرف الحصول على نسخة منها أو اللجوء إليها ".
إن المحرر الإلكتروني ليس له حجية قاطعة وذلك وفق قانون 32.09 لأنه لم يورد أي مقتضيات تنظم كيفية إبرام العقد التوثيقي يتم عن بعد وإستجماع أسباب شروط الإعتراف له بالحجية، لا يمكن أن يتم إلا ضمن شروط وآليات قانونية لذلك من الصعب اعتماد الفقرة الثانية المذكورة أعلاه للحديث عن ورقة [24] رسمية بحجية الورقة الرسمية المعدة على الورق في إطار قانون 32.09 .
الفقرة الثانية : حجية الوثيقة الرسمية في التنفيذ:
إذا كان الأصل أن المحررات التوثيقية المستجمعة لجميع شروطها الشكلية تتمتع بحجية مطلقة في الاثبات ولا يطعن فيها إلا بالزور[25] ، وفق ما ورد أعلاه فإن بعض التشريعات ذهبت أكثر من ذلك ومحت هذه المحررات حجية اضافية في التنفيذ لانتفاء حقوقهم دون حاجة إلى استصدار أحكام قضائية ، وهو ما علية الامر بالنسبة للقانون الفرنسي الذي أجاز للموثق تسليم الصور التنفيذية وكذلك بالنسبة لقانون التوثيق المصري الذي نص على أن مكاتب التوثيق تقوم بوضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ .
أما موقف المشرع المغربي فإنه لم يأخذ بفكرة المحررات التنفيذية كقاعدة عامة في قانون المسطرة المدنية وحتى إن وجدت محررات رسمية واجبة التنفيذ فإنها تكون بمقتضى نصوص خاصة وذلك على الرغم من كون المشرع المغربي كان قد أحال بموجب الفصل 20 من القانون القديم 04 ماي 1925 على كثير من فصول التوثيق الفرنسي خاصة الفصلين 25 و 26 من قانون فانتوز المتعلق بالصورة التنفيذية.
أما بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية المغربي نجده لم يتعرض إلى التنفيذ التلقائي بواسطة محررات التوثيقية لذا فإن أصحاب هذه المحررات عليهم اللجوء إلى القضاء ومراجعته لاستصدار الاحكام من أجل التنفيذ وهو أمر ينسجم مع طبيعة هذه المحررات التي لم تعرف رقابة مسبقة من لذن قاضي التوثيق نظير محررات العدول فيتعين والحالة ما ذكر أن تخضع لمراقبة قضائية لاحقة[26].
وإذا كان هذا هو موقف المشرع المغربي فإن المحررات الرسمية ورغم كل ذلك لا تخلوا من امتيازات في مجال التنفيذ خاصة فيما يتعلق بالتنفيذ المعجل ، ذلك أن الفصل 147 من ق م م في فقرته الاولى نص على ما يلي : "يجب أن يأمر بالتنفيذ ألمعجل رغم مل تعرض أو استئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف ، ولا شك أن هذا المقتضى التشريعي أخد بعين الاعتبار مصلحة الافراد الذين يكون بحوزتهم أدلة قوية تثبت حقوقهم المتمثلة هنا في الورقة او السند الرسمي لكن شريطة أن لا يتم الطعن فيها بالزور بصفة صريحة .
وأخيرا فإن للمحرر العصري والعدلي والوثيقة الالكترونية قوة اثبات كبيرة وحاسمة ضمن قواعد الاثبات التي نص عليها المشرع في الفصل 404 ق ل ع ، إلا أن هذه الوثيقة قد تتعرض للطعن مما سيؤثر في قوتها الثبوتية ونفاذ رسميتها بسبب الطعن بالزور الذي يرتب مجموعة من الاثار وهو ما سوف نعالجه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني : الطعن بالزور في المحرر الرسمي والآثار المترتبة عنه.
نكون أمام محرر رسمي متى قام وتأسس بشكل سليم ، واستجمع شروطه القانونية وكافة مقوماته ، وبهذا يكتسي الرسمية ويصبح حجة قاطعة سواء فيما بين المتعاقدين أو في مواجهة الغير إلا أن يطعن فيها بالزور ( الفقرة الأولى) والطعن بالزور يرتب آثار إما في حالة الحكم بزر ويته أو تأكيد صحته ( الفقرة الثانية)
.
الفقرة الأولى : الطعن بالزور في المحرر الرسمي
حسب منطوق الفصل 419 من ق.ل .ع فالورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير الوقائع والإتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره ، وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور ومفهوم التزوير في الأوراق حدده الفصل 351 من القانون الجنائي في تغيير الحقيقة بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون وهو نفس المفهوم الذي أخدت به المحكمة الإبتدائية بمكناس في حكم عدد : 2499/2013.[27]
كما قد حدد الفصلان 352 و 353 من القانون الجنائي، الوسائل التي يعد ارتكابها من طرف الموثق تزويرا [28].
ومنه يكون على من يريد دحض حجية الورقة الرسمية المعدة من طرف الموثق أو العدلين التي خاطب عليها قاضي التوثيق أوكل من له صلاحية اضفاء الرسمية أن يطعن فيها اعتماد على الأسباب الواردة في المادتين 352 و 353 من ق.ج ومن بين هذه الأسباب الواردة في المادتين ، وضع توقيعات مزورة أو تغيير المحرر.
وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين أو القيام بكتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اختتامها ، والإدعاء بالزور يأخذ صورتين إما إدعاء أصلي أو فرعي .
- دعوى الزور الأصلية
وسميت بدعوى الزور الأصلية لأنها ليست متفرقة أو تابعة لأي دعوى أخرى وهي تخضع بذلك لإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وكذا ( المواد من 584 إلى 586 ) من قانون المسطرة الجنائية . والجدير بالذكر أن دعوى الزور الأصلية إما أن تكون مدينة أو جنائية .
وهذه الأخيرة يتم تحريك الدعوى العمومية بالزور فيها من طرف النيابة العامة بحكم إختصاصها كسلطة إتمام .
ومن طرف المطالب بالحق المدني عن طريق الإدعاء المباشر أمام القضاء الجنائي ، حيث أجاز المشرع لكل شخص ، ادعى أنه تضرر من الجريمة ، أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني ويترتب عن هذا التنصيب تحريك الدعوى العمومية والمدنية معا [29]. وعليه فمتى كنا بصدد تزوير في محرر رسمي فالدعوى تقام ضد مرتكب التزوير أو مشاركيه أو ضد مستعمل الزور ، وذلك بهدف إنزال العقاب الجنائي بالفاعل والدفع بتزوير المحرر وتجريده من كل أثر . وهذه الدعوى تخضع في إجراءاتها إلى القواعد المسطرية العادية بالإضافة إلى إجراءات أخرى خاصة بها[30].
- دعوى الزور الفرعية
كما يمكنها عدم الالتفات إلى هذا الطعن في حالة ما إذا قدم على شكل دفع فقط أو في حالة عدم أداء الرسوم القضائية أو عدم الإدلاء بالتوكيل الخاص أو عدم إيداع مصاريف الخبرة ، وعلى خلاف ذلك إذا تبت للمحكمة جدية هذا الطعن فإنه يتم إيقاف البت في الدعوى الأصلية وتباشر إجراءات الزور الفرعي بإنذار من أدلى به أنه محل طعن بالزور وأن له أجل 8 أيام من أجل تحديد موقفه . فإذا صرح بعد إنذاره أنه يتخلى عن استعمال المستند أو سكت بعد أجل ثمانية أيام نحى المستند من ملف الدعوى وتوبعت الإجراءات كأن لم يقدم وإذا تمسك به وصرح أنه ينوي استعماله ، أمره القاضي (الطرف الذي أثار زورية المستند) بإيداع أصل المستند داخل أجل ثمانية أيام بكتابة الضبط وإلا أعتبر متخليا عن استعمال الطعن بالزور بعد مرور هذا الأجل ، وفي حالة الإدلاء به تعين على المحكمة أن تقوم بمجموعة من الاجراءات وتتجلى في الاتي :
- التأشير على المستند من طرف القاضي أو المستشار المقرر.
- تحرير محضر من طرف القاضي أو المستشار المقرر بحضور الأطراف أو بعد استدعائهم بصفة قانونية ويبين في المحضر حالة المستند من حيث التشطيب أو الإقحام وما إلى ذلك من أوصافه بحضور النيابة العامة ، وتؤخذ عينات عن توقيعات مدعي الزور بجلسة التحقيق .
- التوقيع على المحضر من طرف القاضي أوالمستشار المقرر وممثل النيابة العامة والأطراف الحاضرين أو وكلائهم [32].
والحكم
الصادر في دعوى الزور الفرعي يجب أن يصدر قبل البت في جوهر الدعوى الأصلية
بمعنى أنه ليس للمحكمة أن تفصل في الزور الفرعي وفي جوهر الدعوى الأصلية
بحكم واحد وذلك بسند الفقرة الثانية من الفصل 98 من قانون المسطرة المدنية
التي جاء فيها " يبث القاضي بعد ذلك في وجود الزور تجنبا لحرمان كلا
الخصمين من بسط أوجه دفاع جديدة في حالة الحكم بثبوت أو عدم ثبوت زورية
المستند ".[33]
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الطعن بالزور في المحرر الرسمي
تختلف الآثار التي تترتب عن الحكم الفاصل في دعوى الزور بحسب ما إذا كان قد قضى بوجود الزور أو بعدم وجوده وفي هذا الصدد سنحاول دراسة هذه الآثار كالآتي :
ـ أ- حالة الحكم القاضي بوجود الزور
قبل البدء في التطرق للآثار يجب أن نعطي تكييف لهذا التزوير فإذا وقع التزوير في وثيقة عرفية فإنها تكيف جنحة والإختصاص في الجنايات يعود لغرفة الجنايات لدى محكمة الإستئناف أما الإختصاص في الجنح فإنه ينعقد للمحكمة الإبتدائية وهذا ما يؤكد في حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بمكناس " حيث أن دفع نائب المطالب بالحق بعدم الإختصاص وحيث أنه وتطبيقا للمادة 360 من القانون الجنائي فإنه يرجع الإختصاص إلى المحكمة الإبتدائية للبث في القضية بإعتبار أن الوثيقة المزورة تصدرها الإدارة العامة. مما يتعين معه رد الدفع "[34].
والتقادم في جريمة التزوير يبدأ فيها من تاريخ ارتكاب الفعل الجرمي فمدته في الجنايات خمس عشرة سنة وفي الجنح 4 سنوات [35].
وإذا قضت المحكمة بوجود الزور فإن هذا الحكم يرتب أثارا قانونية سواء بالنسبة للأطراف أو بالنسبة للمستند المحكوم بتزويره كلا أو بعضا ، أو بالنسبة للأغيار .
- فيما يخص المستند :
أما إذا كان الحكم قد قضى بأن التزوير قد لحق جزءا. فقط من المستند فإن البيانات التي قررت المحكمة زوريتها هي التي يلحقها هذا الأثر ، الذي يفقدها قوة الإثبات أو التنفيذ.
بالنسبة للأطراف:
فتطبيقا للقواعد العامة فإن الموثق في دعوى الزور التي قضت فيها المحكمة بوجود تزوير في المستند الذي حرره يتحمل مصاريف هذه الدعوى مع الطرف المتضرر في حالة ثبوت الكيد والتعسف المطالبة بتعويض عن الأضرار التي ألحقت به حسب الفصل 77 من ق.ل .ع إضافة إلى عقوبات تأديبية وجنائية للموثق [37].
بالنسبة للأغيار :
حسب الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية يمكن لمن له المصلحة الطعن بإعادة النظر ضد الحكم الصادر عليه سلفا والذي قد بني على المستند المحكوم بتزويره.
وقبل أن ننهي هذه النقطة يجب التذكير على أن الحكم بزورية المحرر يقتصر على جسم هذا المستند فقط ولا يمتد إلى التصرف أو الإتفاق الذي يتضمنه هذا السند بمقتضى آخر فإن بطلان الورقة المتبثة للتصرف أو الإتفاق لا يعني بطلان هذا الأخيران .
ب – حالة الحكم القاضي بعدم وجود الزور :
إن عدم ثبوت الزور فإن المحكمة تقضي بذلك وتعتبر السند صحيحا ويكون بإمكانها الاستناد إليه للفصل في الدعوى ولا يبقى لمدعي الزور أن يثيره بعد ذلك.
خاتمة
وإجمالا يتضح أن الوثيقة الرسمية تأخذ حجيتها وقيمتها القانونية من خلال استجماعها للشروط المنصوص عليها في القوانين العامة والقوانين الخاصة، وهي حجية مطلقة بالنسبة للأطراف والغير مالم يتم الطعن فيها بالزور.
المقال مؤخد عن موقع maroc droit
من إعداد الطلبة:
- محمد مغراوي
- مريم الناصير
- رحيمة الزياني
- سعيد بومنان
لا يتحمل صاحب المدونة تحت أي ظرف مسؤولية المساهمات التي تتضمن خرقا لحقوق الملكية الأدبية أو حقوق النشر، و يحق لكل متضرر رفع الضرر عن طريق مراسلة مدير الموقع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق